ولما بين تعالى أنّ في الوجود قوماً يخافون الله تعالى ويشفقون في أهليهم والنبيّ ﷺ مأمور بتذكير من يخاف الله تعالى لقوله تعالى: ﴿فذكر بالقرآن من يخاف وعيد﴾ (ق: ٤٥)
(١١/٢٥٤)
فوجب التذكير. فلذلك قال تعالى: ﴿فذكر﴾ أي: عظ يا أشرف الخلق بالقرآن ودم على ذلك ولا ترجع عنه لقول المشركين لك كاهن ومجنون ﴿فما أنت بنعمة ربك﴾ أي: بسبب ما أنعم به عليك المحسن إليك من هذا الناموس الأعظم بعد تأهيلك له بما هيأك به من رجاحة العقل وعلوّ الهمة وكرم الفعال وجود الكف وطهارة الأخلاق، وجعلك أشرف الناس عنصراً وأكملهم نفساً وأزكاهم خلقاً وهم معترفون لك بذلك قبل النبوّة. وأكد النفي بقوله تعالى: ﴿بكاهن﴾ أي: تقول كلاماً مع كونه سجعاً متكلفاً أكثره فارغ وتحكم على المغيبات من غير وحي ﴿ولا مجنون﴾ أي: تقول كلاماً لا نظام له مع الإخبار ببعض المغيبات فلا يفترك قولهم هذا عن التذكير فإنه قول باطل لا تلحقك به معرة أصلاً، وعما قليل يكون عيباً لهم لا يغسله عنهم إلا اتباعهم لك فمن اتبعك منهم غسل عاره ومن استمرّ على عناده استمرّ تبابه وخساره.
تنبيه: نزلت هذه الآية في الذين اقتسموا عقاب مكة يرمون رسول الله ﷺ بالكهانة والسحر والجنون والشعر.
﴿أم يقولون﴾ أي: هؤلاء المقتسمون ﴿شاعر﴾ أي: هو شاعر قال الثعلبي: قال الخليل: كل ما في سورة والطور من أم فاستفهام وليس بعطف، وقال أبو البقاء: أم في هذه الآيات منقطعة وتقدم الخلاف في المنقطعة هل تقدر ببل وحدها أو ببل والهمزة أو بالهمزة وحدها، والصحيح الثاني. وقال مجاهد: في قوله تعالى: ﴿أم تأمرهم﴾ (الطور: ٣٢)
تقديره: بل تأمرهم ﴿نتربص﴾ أي ننتظر ﴿به ريب المنون﴾ أي: حوادث الدهر وتقلبات الزمان لأنها لا تدوم على حال كالريب وهو الشك فإنه لا يبقى بل هو متزلزل قال الشاعر:

*تربص بها ريب المنون لعلها تطلق يوماً أو يموت حليلها*
وقال أبو ذئب:


الصفحة التالية
Icon