﴿فلا تزكوا﴾ أي: تمدحوا بالزكاة وهي البركة والطهارة عن الدناءة ﴿أنفسكم﴾ أي: حقيقة بأن يثني الإنسان على نفسه فإنّ تزكيته لنفسه قال القشيري: من علامات كونه محجوباً عن الله تعالى أي: من مدح نفسه على سبيل الإعجاب، أما على سبيل الاعتراف بالنعمة فحسن، أو مجازاً بأن يثنى على غيره من إخوانه وأنه كثيراً ما يثنى بشيء فيظهر خلافه وربما حصل له الأذى بسببه «وإنّ العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع» الحديث ولذلك علل بقوله تعالى: ﴿هو أعلم﴾ أي: منكم ومن جميع الخلق ﴿بمن اتقى﴾ أي فإنه يعلم المتقي وغيره منكم قبل أن يخرجكم من صلب أبيكم آدم عليه السلام فمن جاهد نفسه حتى حصل منه تقوى فهو يوصله فوق ما يؤمل من الثواب في الدارين فكيف بمن صارت له التقوى وصفا ثابتاً.
ولما بين جهل المشركين في عبادة الأصنام ذكر واحد منهم بسوء فعله فقال تعالى:
﴿أفرأيت الذي تولى﴾ أي: عن اتباع الحق والثبات عليه. قال مجاهد وأبو زيد ومقاتل نزلت في الوليد بن المغيرة كان قد اتبع النبيّ ﷺ على دينه فعيره بعض المشركين وقال له تركت دين الأشياخ وضللتهم فقال: إني خشيت عذاب الله تعالى فضمن الذي عاتبه إن هو أعطاه كذا من ماله، ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله فرجع الوليد إلى الشرك وأعطى الذي عيره بعض ذلك الذي ضمن ومنعه تمامه، فأنزل الله تعالى ﴿أفرأيت الذي تولى﴾ أي أدبر عن الإيمان.
(١١/٢٩٣)
﴿وأعطى قليلا﴾ أي: من المال المسمى ﴿وأكدى﴾ أي: منع الباقي، مأخوذ من الكدية أرض صلبة كالصخرة تمنع حافر البئر إذا وصل إليها من الحفر، فأكدى أصله من أكدى الحافر إذا حفر شيئاً فصادف كدية منعته من الحفر ومثله: أجبل إذا صادف جبلاً منعه من الحفر وكديت أصابعه كَلَّت من الحفر ثم استعمل في كل من طلب شيئاً فلم يصل إليه أو لم يتممه ولمن طلب شيئاً ولم يبلغ آخره قال الحطيئة:


الصفحة التالية
Icon