فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى: ﴿وأنه خلق﴾ ولم يقل وأنه هو خلق كما قال تعالى: ﴿وأنه هو أضحك وأبكى﴾ أجيب بأن الضحك والبكاء ربما يتوهم أنهما بفعل الإنسان، والإماتة والإحياء وإن كان ذلك التوهم أبعد فيهما لكن ربما يقول به جاهل كما قال من حاج إبراهيم عليه السلام أنا أحيي وأميت فأكد ذلك بالفصل، وأما خلق الذكر والأنثى من النطفة فلا يتوهم أحد أنه بخلق أحد من الناس فلم يؤكد بالفصل ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿وأنه هو أغنى وأقنى﴾ (النجم: ٤٨)
حيث كان الإغناء عندهم غير مستند إلى الله تعالى، وكان في معتقدهم أن ذلك بفعلهم كما قال قارون: ﴿إنما أوتيته على علم عندي﴾ (القصص: ٧٨)
ولذلك قال: ﴿هو رب الشعرى﴾ (النجم: ٤٩)
فأكد في مواضع استبعادهم إلى الإسناد ولم يؤكد في غيره.
﴿وأن عليه﴾ أي: خاصاً به علماً وقدرة ﴿النشأة﴾ أي الحياة ﴿الأخرى﴾ للبعث يوم القيامة بعد الحياة الأولى فإن قيل: الإعادة لا تجب على الله تعالى فما معنى عليه؟ أجيب: بأنه عليه بحكم الوعد فإنه قال: ﴿إنا نحن نحيي الموتى﴾ (يس: ١٢)
فعليه بحكم الوعد لا بالعقل ولا بالشرع، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الشين وبعدها ألف ممدودة قبل الهمزة والباقون بسكون الشين وبعدها الهمزة المفتوحة وإذا وقف حمزة نقل حركة الهمزة إلى الشين.
﴿وأنه هو﴾ أي: وحده من غير نظر إلى سعي ساع ولا غيره ﴿أغنى﴾ قال أبو صالح: أغنى الناس بالأموال ﴿وأقنى﴾ أعطى القنية وأصول الأموال وما يدخرونه بعد الكفاية وقال الضحاك: أغنى بالذهب والفضة وصنوف الأموال، وأقنى بالإبل والبقر والغنم وقال الحسن وقتادة: أخدم، وقال ابن عباس: أغنى وأقنى أعطى فأرضى وقال مجاهد ومقاتل: أقنى أرضى بما أعطى وقنع قال الراغب: وتحقيقه أنه جعل له قنية من الرضا وقال سليمان التيمي: أغنى نفسه وأفقر خلقه إليه وقال ابن زيد: أغنى أكثر وأقنى أقل وقرأ ﴿يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر﴾ (الرعد: ٢٦)
(١١/٣٠٣)