فإن قيل ما ذلك الشيء المنكر أجيب بأنه الحساب أو الجمع له أو النشر للجمع فإن قيل النشر لا يكون منكراً فإنه أحياء ولأنّ الكافر من أين يعرف وقت النشر ما يُجزى عليه لينكره أجيب بأنه يعلم ذلك لقوله تعالى عنهم: ﴿يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا﴾ (يس: ٥٢)
وقرأ ابن كثير بسكون الكاف والباقون بالرفع.
ولما بين تعالى دعاءه بما هال أمره بين حال المدعوّين زيادة في الهول فقال تعالى: ﴿خشعاً أبصارهم﴾ أي: ينظرون نظر الخاضع الذليل السافل المنزلة المستوحش الذي هو شرّ حال، ونسب الخشوع إلى الأبصار لأنّ الذل والعز يتبين في النظر والذل أن يرمي به صاحبه إلى الأرض مثلاً مع هيبة يعرف منها ذلك كما قال تعالى: ﴿خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي﴾ (الشورى: ٤٥)
(١١/٣١٤)
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بفتح الخاء وألف بعدها وكسر الشين والباقون بضم الخاء ولا ألف بعدها وفتح الشين مشدّدة أمّا القراءة الأولى فهي جارية على اللغة الفصحى من حيث إنّ الفعل وما جرى مجراه إذا قدّم على الفاعل وحد تقول: تخشع أبصارهم، ولا تقول: تخشعن أبصارهم وأمّا القراءة الثانية فجاءت على لغة طيىء يقولون: أكلوني البراغيث قال الزمخشري: ويجوز أن يكون في خشعاً ضمير هم ويقع أبصارهم بدلاً عنه ا. ه. وتقدّم نظير ذلك في قوله تعالى في الأنبياء: ﴿وأسروا النجوى الذين ظلموا﴾ (الأنبياء: ٣)
وجملة ﴿خُشَّعاً أبصارهم﴾ حال من فاعل ﴿يخرجون﴾ أي: الناس ﴿من الأجداث﴾ أي: القبور ﴿كأنهم جراد﴾ أي: في كثرتهم وتراكم بعضهم على بعض وصغارهم وضعفهم وتموّجهم يقال في الجيش الكثير المائج بعضه فوق بعض جاؤوا كالجراد وكالذباب ﴿منتشر﴾ أي: منبث متفرّق في كل مكان لكثرتهم لا يدرون أين يذهبون.