ثالثها: أنه تعالى ذكر في هذه السورة خمس قصص، وجعل القصة المتوسطة مذكورة على أتم وجه، لأنّ حال صالح عليه السلام كان أتمّ مشابهة بحال محمد ﷺ لأنه أتى بأمر عجيب أرضى، وكان أعجب مما جاء به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأنّ عيسى عليه السلام أحيى الميت، لكن الميت كان محلا للحياة، فقامت الحياة بإذن الله تعالى في محل كان قابلاً لها، وموسى عليه السلام انقلبت عصاه ثعباناً، فأثبت الله تعالى له في الخشب الحياة بإذنه سبحانه، لكن الخشبة نبات كان له قوة في النمو، فأشبه الحيوان في النمّو، وصالح عليه السلام كان الظاهر في بدء خروج الناقة من الحجر، والحجر جماد ليس محلاً للحياة، ولا محلاً للنمو، ونبينا ﷺ أتى بأعجب من الكل، وهو المتصرّف في الجرم السماوي الذي يقول المشرك لا وصول لأحد إلى السماء، وأمّا الأرضيات فقالوا: إنها أجسام مشتركة المواد تقبل كل واحدة منها صورة الأخرى، والسماويات لا تقبل ذلك فلما أتى بما اعترفوا بأنه لا يقدر على مثله آدمي كان أتمّ وأبلغ من معجزة صالح عليه السلام التي هي أتم من معجزة سائر الأنبياء غير محمد صلى الله عليه وسلم
﴿ولقد يسرنا﴾ أي: على مالنا من العظمة ﴿القرآن﴾ أي: الكتاب الجامع لكل خير الفارق بين كل ملبس، ﴿للذكر﴾ أي: الحفظ، والتذكر، والتدبر وحصول الشرف في الدارين؛ ﴿فهل من مدّكر﴾ أي: من ناظر بعين الإنصاف، والتجرّد عن الهوى ليرى كل ما أخبرنا به فيعينه عليه.
ولما انقضت قصة ثمود بما تعرفه العرب بالأخبار، ورؤية الآثار، فقال تعالى:
(١١/٣٢٨)
﴿كذبت قوم لوط﴾ أي: وهم في قوة عظيمة على ما يحاولونه، وإن كانوا في تكذيبهم هذا أضعف من عقول النساء عن التجرد عن الهوى بما دلّ عليه تأنيث الفعل بالتاء، وكذا ما قبلها من القصص ﴿بالنذر﴾ أي: بالأمور المنذرة لهم على لسان نبيهم لوط عليه السلام.


الصفحة التالية
Icon