﴿ولقد أنذرهم﴾ أي: رسولنا لوط عليه السلام ﴿بطشتنا﴾ أي: أخذتنا المقرونة من الشدّة بما لنا من العظمة، وهي العذاب الذي نزل بهم، وقيل: هي عذاب الآخرة لقوله تعالى: ﴿يوم نبطش البطشة الكبرى﴾ (الدخان: ١٦)
﴿فتماروا﴾ أي تجادلوا وكذبوا ﴿بالنذر﴾ أي بإنذاره فكان سبباً للأخذ.
﴿ولقد راودوه عن ضيفه﴾ أي أرادوا أن يخلي بينهم وبين القوم الذين أتوه في صورة الأضياف، ليخبثوا بهم، وكانوا ملائكة في صورة شباب مرد؛ وأفرد لأنّ المراد الجنس ﴿فطمسنا﴾ أي: فتسبب عن مراودتهم أن طمسنا بعظمتنا ﴿أعينهم﴾ أي: أعميناها، وجعلناها بلاشق كباقي الوجه بأن صفقها جبريل عليه السلام بجناحه؛ وقال الضحاك: بل أعماهم الله تعالى فلم يروا الرسل وقالوا: لقد رأيناهم حين دخلوا البيت فأين ذهبوا فرجعوا فلم يروهم؛ وهذا قول ابن عباس وروي أنهم صارت أعينهم مع وجوههم كالصفيحة الواحدة؛ وقال القشيري: مسح بجناحه على وجوههم فعموا، ولم يهتدوا للخروج.
(١١/٣٣٠)
قال ابن جرير: والعرب تقول: طمست الريح الأعلام إذا دفنتها بما تسفي عليها، فانطلقوا هاربين مسرعين إلى الباب لا يهتدون إليه ولا يقعون عليه، بل يصادمون الجدران خوفاً مما هو أعظم من ذلك، وهم يقولون عند ذلك لوط سحر الناس، وما أدّتهم عقولهم إلى أن يؤمنوا فينجوا أنفسهم.
قال القشيري: وكذلك أجرى الله تعالى سنته في أوليائه بأن يطمس على قلوب أعدائهم حتى يلتبس عليهم كيف يؤذون أولياءه ويخلصهم من كيدهم. وقوله تعالى: ﴿فذوقوا عذابي ونذر﴾ أي: إنذاري وتخويفي، خطاب لهم أي: قلنا لهم على لسان الملائكة فذوقوا، فهو خطاب مع كل مكذب أي: إن كنتم تكذبون فذوقوا. قال القرطبي: والمراد من هذا الأمر الخبر أي: فأذقتهم عذابي الذي أنذرهم به لوط عليه السلام.
فإن قيل: النذر كيف تذاق؟ أجيب بأنّ المراد ثمرته وفائدته.