﴿بل الساعة﴾ أي: القيامة التي يكون فيها الجمع الأكبر والهول الأعظم ﴿موعدهم﴾ أي: للعذاب ﴿والساعة أدهى﴾ أي من كل ما يفرض وقوعه في الدنيا وأدهى أفعل تفضيل من الداهية، وهي أمر هائل لا يهتدي لدوائه فهي أمر عظيم؛ يقال: دهاه أمر كذا أي أصابه دهواً ودهياً؛ وقال ابن السكيت دهته داهية دهواء ودهياء وهي توكيد لها وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة، وقرأ ورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح ﴿وأمر﴾ لأنّ عذابها للكفار غير مفارق ولا مزايل فهي أعظم نائبة وأشد مرارة من الأسر والقتل يوم بدر وفي رواية: أن النبيّ ﷺ كان يثب في درعه ويقول: اللهمّ إن قريشاً جادلتك وتجاهر رسولك بفخرها بخيلها فأخنهم الغداة. يقال: أخنى عليه الدهر أي غلبه وأهلكه ومنه قول النابغة:
*أخني عليها الذي أخنى على لبد*
وأخنيت عليه أفسدت ثم قال: ﴿سيهزم الجمع ويولون الدبر﴾ قال عمر: فعرفت تأويلها وهذا من معجزات رسول الله ﷺ لأنّه أخبر عن غيب فكان كما أخبر؛ قال ابن عباس: كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين. فالآية على هذا مكية وفي البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت: «لقد أنزل على محمد ﷺ بمكة وإني لجارية ألعب» ﴿بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر﴾ وعن ابن عباس أنه ﷺ قال: «وهو في قبة له يوم بدر أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا، فأخذ أبو بكر بيده وقال: حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك وهو في الدرع فخرج وهو يقول: ﴿سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم﴾ يريد يوم القيامة ﴿والساعة أدهى وأمر﴾ مما لحقهم يوم بدر».
(١١/٣٣٥)