وآية ﴿علمه البيان﴾ أي القوّة الناطقة وهي الإدراك للأمور الكلية والجزئية، والحكم على الحاضر والغائب بقياسه على الحاضر، وغير ذلك مما أودعه له سبحانه مع تعبيره عما أدركه مما هو غائب في ضميره وإفهامه لغيره: تارة بالقول وتارة بالفعل، نطقاً وكتابة وإشارة وغيرها، فصار بذلك ذا قدرة في نفسه والتكميل لغيره فهذا تعليم البيان الذي مكن من تعليم القرآن، وقال ابن عباس وقتادة والحسن: يعني آدم عليه السلام علم أسماء كل شيء، وقيل: علمه اللغات كلها وكان آدم يتكلم بسبعمائة ألف لغة أفضلها العربية، وعن ابن عباس أيضاً وابن كيسان: المراد بالإنسان ههنا محمد ﷺ والمراد من البيان: الحلال والحرام والهدى من الضلال، وقيل: ما كان وما يكون لأنه بين عن الأولين والآخرين، وعن يوم الدين، وقال الضحاك: البيان: الخير والشرّ، وقال الربيع بن أنس: هو ما ينفعه وما يضره. وقال السدي: علم كل قوم لسانهم الذي يتكلمون به. وقيل: بيان الكتابة والخط بالقلم نظيره قوله تعالى: ﴿علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم﴾.
فإن قيل: لِمَ قدّم تعليم القرآن للإنسان على خلقه وهو متأخر عنه في الوجود؟ أجيب: بأنّ التعليم هو السبب في إيجاده وخلقه.
فإن قيل: كيف صرح بذكر المفعولين في علمه البيان ولم يصرح بهما في علم القرآن؟ أجيب: بأنّ في ذلك إشارة إلى أن النعمة في التعميم لا في تعليم شخص دون شخص، وبأنّ المراد من قوله تعالى: ﴿علمه البيان﴾: تعديد النعم على الإنسان واستدعاء الشكر منه؛ ولم يذكر الملائكة لأنّ المقصود ذكر ما يرجع إلى الإنسان. وقيل: تقديره علم جبريل القرآن وقيل علم محمداً ﷺ وقيل علم الإنسان وهذا أولى لعمومه.
(١١/٣٤٣)


الصفحة التالية
Icon