ولما دخل في قوله تعالى: ﴿والأرض وضعها للأنام﴾ الجنّ والأنس خاطبهما بقوله تعالى: ﴿فبأيّ آلاء﴾ أي: نعم ﴿ربكما﴾ أي: المحسن إليكما المدبر لكما الذي لا مدبر ولا سيد لكما غيره ﴿تكذبان﴾ أبتلك النعم أم بغيرها؟ وكرر هذه الآية في هذه السورة في أحد وثلاثين موضعاً تقريراً للنعمة، وتأكيداً في التذكير، وفصل بين كل نعمتين بما ينبههم عليها ليفهمهم النعم، ويقرّرهم بها كما تقول لمن تتابع عليه إحسانك وهو يكفره وينكره: ألم تكن فقيراً فأغنيتك؟ أفتنكر هذا؟ ألم تكن خاملاً فعززتك؟ أفتنكر هذا؟ ألم تكن راجلاً فحملتك؟ أفتنكر هذا؟ والتكرير حسن في مثل هذا، قال القائل:
*كم نعمة كانت لكم كم كم وكم*
وقال آخر:
*لا تقتلي مسلماً إن كنت مسلمة | إياك من دمه إياك إياك* |
*لا تقطعنّ الصديق ما طرفت | عيناك من قول كاشح أشر* |
*ولا تملنّ يوماً زيارته | زره وزره وزر وزر وزر* |
وكقوله تعالى: فيما سيأتي ﴿ويل يومئذ للمكذبين﴾ (المرسلات: ١٥)
وذهب جماعة منهم ابن قتيبة إلى أنّ التكرير لاختلاف النعم، فلذلك كرّر التوقيف مع كل واحدة.
(١١/٣٥٠)