ولما ذكر تعالى مباينته للمخلوقات وصف نفسه بالإحاطة الكاملة فقال تعالى: ﴿ذو الجلال﴾ أي: العظمة التي لا ترام وهو صفة ذاته التي تقتضي إجلاله عن كل ما لا يليق به ﴿والإكرام﴾ أي: الإحسان العام وهو صفة فعله مع جلاله وعظمته.
﴿فبأي آلاء﴾ أي: نعم ﴿ربكما﴾ أي: المربى لكما على هذا الوجه الذي مآله إلى العدم إلى أجل مسمى ﴿تكذبان﴾ أبتلك النعم من بقاء الرب وفناء الكل والحياة الدائمة والنعيم المقيم أم بغيرها؟.
وقوله تعالى: ﴿كل من عليها فان﴾ أي: هالك غلب فيه من يعقل على غيره وجميعهم مراد؛ والضمير في عليها للأرض قال بعضهم: وإن لم يجر لها ذكر كقوله تعالى: ﴿حتى توارت بالحجاب﴾ (ص: ٣٢)
ورد هذا بأنه قد تقدّم ذكرها في قوله تعالى: ﴿والأرض وضعها﴾ (الرحمن: ١٠)
وقيل: الضمير عائد إلى الجواري.
قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية قالت الملائكة: هلكت أهل الأرض فنزل: ﴿كل شيء هالك إلا وجهه﴾ فأيقنت الملائكة بالهلاك.
(١١/٣٥٩)
فإن قيل: الكلام في تعدّد النعم فأين النعمة في فناء الخلق؟ أجيب: بأنها التسوية بينهم في الموت والموت سبب للنقل إلى دار الجزاء والثواب.
﴿ويبقى﴾ أي: بعد فناء الكل بقاء مستمرّا إلى ما لا نهاية له ﴿وجه ربك﴾ أي: ذاته فالوجه عبارة عن وجود ذاته. قال ابن عباس: الوجه عبارة عنه.
فإن قيل كيف خاطب الاثنين بقوله: ﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ وخاطب ههنا الواحد فقال: ﴿ويبقى وجه ربك﴾ ولم يقل وجه ربكما؟ أجيب: بأنّ الإشارة ههنا وقعت إلى كل أحد فقال: ويبقى وجه ربك أيها السامع ليعلم كل أحد أنّ غيره فان فلو قال: ويبقى وجه ربكما لكان كل أحد يخرج نفسه ورفيقه؛ المخاطب عن الفناء، فإن قيل: فلو قال: ويبقى وجه الرب من غير خطاب كان أدل على فناء الكل؛ أجيب: بأن كاف الخطاب في الرب إشارة إلى اللطف، والإبقاء إشارة إلى القهر والموضع موضع بيان اللطف وتعديد النعم، فلهذا قال: بلفظ الرب وكاف الخطاب


الصفحة التالية
Icon