ولما عرف ما للمجرم المجترئ على العظائم وقدمه لما اقتضاه مقام التكذيب من الترهيب، وجعله سابعاً إشارة إلى أبواب النار السبع، عطف عليه ما للخائف الذي أداه خوفه إلى الطاعة، وجعله ثامناً على عدد أبواب الجنة الثمانية فقال تعالى:
(١١/٣٧١)
﴿ولمن خاف﴾ أي: من الثقلين ووحد الضمير مراعاة للفظ من إشارة إلى قلة الخائفين ﴿مقام ربه﴾ أي: قيامه بين يدي ربه للحساب بترك المعصية والشهوة؛ قال القرطبي: ويجوز أن يكون المقام للعبد ثم يضاف إلى الله تعالى وهو كالأجل في قوله تعالى: ﴿فإذا جاء أجلهم﴾ (الأعراف: ٣٤)
وقوله تعالى في موضع آخر: ﴿إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر﴾ (نزح: ٤)
. وقال مجاهد: هو الذي يهم بالمعصية فيذكر الله تعالى فيدعها من مخافته عز وجل. ﴿جنتان﴾ أي: لكل خائف جنتان على حدة. قال مقاتل: جنة عدن وجنة النعيم وقال محمد بن علي الترمذي: جنة بخوف ربه وجنة بترك شهوته؛ وقال ابن عباس: من خاف مقام ربه بعد أداء الفرائض؛ وقيل: جنتان لجميع الخائفين؛ وقيل: جنة لخائف الإنس وأخرى لخائف الجنّ فيكون من باب التوزيع؛ وقيل: مقام هنا مقحم كما تقول أخاف جانب فلان، وفعلت هذا لمكانك، وأنشد:
*................ ونفيت عنه... مقام الذئب؛ كالرجل اللعين*
(١١/٣٧٢)
يريد ونفيت عنه الذئب؛ قال ابن عادل: وليس بجيد لأنّ زيادة الاسم ليست بالسهلة؛ وقيل: إنّ الجنتين جنته التي خلقت له وجنة، ورثها؛ وقيل: إحدى الجنتين منزله والأخرى منزل أزواجه كما يفعل رؤساء الدنيا؛ وقيل: إحدى الجنتين مسكنه والأخرى بستانه؛ وقيل: إحدى الجنتين أسافل القصور والأخرى أعاليها؛ وقال الفراء: إنها جنة واحدة وإنما ثنى مراعاة لرؤوس الآي؛ وأنكر القتيبي هذا وقال: لا يجوز أن يقال خزنة النار عشرون وإنما قال: تسعة عشر مراعاة لرؤوس الآي؛ وقيل: جنة واحدة وإنما ثنى تأكيداً كقوله تعالى: ﴿ألقيا في جهنم﴾ (ق: ٢٤)


الصفحة التالية
Icon