وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هم أربعة: منهم سابق أمّة موسى عليه السلام وهو حز قيل مؤمن آل فرعون، وسابق أمّة عيسى عليه السلام وهو حبيب النجار صاحب أنطاكية، وسابقا أمة محمد ﷺ وهما: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. وقال سميط بن عجلان: الناس ثلاثة: رجل ابتكر الخير في حداثة سنه ثم داوم عليه حتى خرج من الدنيا فهذا هو السابق المقرب، ورجل ابتكر عمره بالذنوب ثم طول الغفلة ثم رجع بتوبته حتى ختم له بها فهذا من أصحاب اليمين، ورجل ابتكر عمره بالذنوب ثم لم يزل عليها حتى ختم له بها فهذا من أصحاب الشمال. وروي عن كعب قال: هم أهل القرآن المتوجون يوم القيامة، وقيل: هم أوّل الناس رواحاً إلى المسجد وأولهم خروجاً في سبيل الله.
وخبر المبتدأ ﴿أولئك﴾ أي: العالو الرتبة جداً ﴿المقرّبون﴾ أي: الذين قربت درجاتهم في الجنة من العرش وأعليت مراتبهم واصطفاهم الله تعالى للسبق، فأرادهم لقربه ولولا فضله في تقريبهم لم يكونوا سابقين؛ قال الرازي في اللوامع: المقرّبون تخلصوا من نفوسهم وأعمالهم كلها الله تعالى ديناً ودنيا من حق الله تعالى، وحق الناس وكلاهما عندهم حق الله تعالى، والدنيا عندهم آخرتهم لأنهم يراقبون ما يبدو لهم من ملكوته فيتلقونه بالرضا والإنقياد، وهم صنفان: صنف قلوبهم في جلاله وعظمته هائمة قد ملكتهم هيبته فالحق يستعملهم في وصف آخر قد أرخى من عنانه والأمر عليه أسهل لأنه قد جاوز بقلبه هذه الخطة، ومحله أعلى فهو أمين الله تعالى في أرضه فيكون عليه أوسع ا. ه.
ثم بين تقريبه لهم بقوله تعالى: ﴿في جنات النعيم﴾ أي: الذي لا كدر فيه بوجه ولا منغص ولما ذكر السابقين فصلهم بقوله تعالى: ﴿ثلة﴾ أي: جماعة وقيدها الزمخشري بالكثيرة وأنشد:

*وجاءت إليهم ثلة خندفية تجيش كتيار من السيل مزبد*
(١١/٣٩٥)


الصفحة التالية
Icon