فإن قيل: الفاكهة واللحم لا يطوف بهما الولدان، والعطف يقتضي ذلك؟ أجيب: بأنّ الفاكهة واللحم في الدنيا يطلبان في حال الشرب فجاز أن يطوف بهما الولدان فيناولونهم الفواكه الغريبة واللحوم العجيبة لا للأكل بل للإكرام كما يضع المكرم للضيف أنواع الفواكه بيده، أو يكون معطوفاً على المعنى في قوله: ﴿جنات النعيم﴾ أي: مقرّبون في جنات النعيم وفاكهة ولحم، أي: في هذا النعيم يتقلبون.
(١١/٤٠١)
ولما لم يكن بعد الأكل والشراب أشهى من النساء قال تعالى: ﴿وحور﴾ أي: نساء شديدات سواد العيون وبياضها ﴿عين﴾ أي: ضخام العيون وقرأ حمزة والكسائي بخفض الاسمين عطفاً على سرر، فإنّ النساء في معنى المتكأ لأنهن يسمين فراشاً، والباقون بالرفع عطفاً على ولدان ﴿كأمثال اللؤلؤ المكنون﴾ أي: المخزون في الصدف المصون الذي لم تمسه الأيدي ولم تقع عليه الشمس والهواء، فيكون في نهاية الصفاء؛ قال البغوي: ويروى أنه يسطع نور في الجنة فيقولون: ما هذا؟ فيقال: ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها ويروى أنّ الحوراء إذا مشت يسمع تقديس الخلاخل من ساقها، وتمجيد الأسورة من ساعديها، وأنّ عقد الياقوت يضحك في نحرها، وفي رجليها نعلان من ذهب شراكهما من لؤلؤ يصران بالتسبيح. ولما بالغ في وصف جزائهم بالحسن والصفاء دل على أنّ أعمالهم كانت كذلك لأنّ الجزاء من جنس العمل فقال تعالى: ﴿جزاء﴾ أي: فعل ذلك لهم لأجل الجزاء ﴿بما كانوا يعملون﴾ أي: يجدّدون عمله على جهة الاستمرار، قالت المعتزلة: هذا يدل على أنّ إيصال الثواب واجب على الله تعالى، لأنّ الجزاء لا يجوز الإخلال به، وأجيبوا بأنه لو صح ما ذكروه لما كان في الوعد بهذه الأشياء فائدة، لأنّ العقل إذا حكم بأنّ ترك الجزاء قبيح، وعلم بالعقل أنّ القبيح من الله تعالى لا يوجد علم أنّ الله تعالى يعطى هذه الأشياء لأنها جزاؤه، وإيصال الجزاء واجب، فكان لا يصح التمدح به ﴿لا يسمعون فيها لغواً﴾ أي: شيئاً مما لا ينفع واللغو


الصفحة التالية
Icon