ثم بين سبحانه أنه لا فاعل لشيء في الحقيقة سواه بقوله تعالى: ﴿فلولا﴾ وهي: أداة تفهم طلباً بزجر وتوبيخ وتقريع بمعنى فهلا ولم لا ﴿إذا بلغت الحلقوم﴾ أي: بلغت الروح منكم ومن غيركم عند الاحتضار الحلقوم، أضمرت من غير ذكر لدلالة الكلام عليها دلالة ظاهرة، وفي الحديث: «أن ملك الموت له أعوان يقطعون العروق ويجمعون الروح شيئاً فشيئاً حتى تنتهي إلى الحلقوم فيتوفاها ملك الموت». والحلقوم مجرى الطعام في الحلق والحلق مساغ الطعام والشراب معروف فكان الحلقوم أدنى الحلق إلى جهة اللسان ﴿وأنتم﴾ أي: والحال أنكم أيها العاكفون حول المحتضر المتوجعون له ﴿حينئذ﴾ أي: بلغت الروح ذلك الموضع ﴿تنظرون﴾ أي: إلى أمري وسلطاني، أو إلى الميت ولا حيلة لكم ولا فعل بغير النظر ولم يقل: تبصرون لئلا يظنّ أنّ لهم إدراكاً بالبصر لشيء من البواطن من حقيقة الروح ونحوها ﴿ونحن﴾ أي: والحال أنا نحن بما لنا من العظمة ﴿أقرب إليه﴾ أي: المحتضر بعلمنا وقدرتنا ﴿منكم﴾ على شدّة قربكم منه، قال عامر بن قيس: ما نظرت إلى شيء إلا رأيت الله أقرب إليّ منه ﴿ولكن لا تبصرون﴾ من البصيرة أي: لا تعلمون ذلك ﴿فلولا﴾ أي: فهلا ﴿إن كنتم﴾ أيها المكذبون بالعبث ﴿غير مدينين﴾ أي: مربوبين من دان السلطان الرعية إذا ساسهم، أو مقهورين مملوكين مجزيين محاسبين بما عملتم في دار البلاء التي أقامكم فيها أحكم الحاكمين، من دانه إذا ذله واستعبده، وأصل تركيب دان للذل والإنقياد قاله البيضاوي ﴿ترجعونها﴾ أي: الروح إلى ما كانت عليه ﴿إن كنتم﴾ كوناً ثابتاً ﴿صادقين﴾ فيما زعمتم فلولا الثانية تأكيد للأولى، وإذ ظرف لترجعون المتعلق به الشرطان؛ والمعنى: أنكم في جحودكم أفعال الله تعالى وآياته في كل شيء أن أنزل عليكم كتاباً معجزاً قلتم سحر وافتراء، وإن أرسل إليكم رسولاً صادقاً قلتم ساحر كذاب، وإن رزقكم مطراً يحييكم به قلتم صدق نوء كذا على مذهب يؤدي إلى الإهمال والتعطيل، فما لكم لا


الصفحة التالية
Icon