ثم بين سبحانه وتعالى الحامل على الصدقة ترغيباً فيه وهو الإيمان فقال تعالى: ﴿والذين آمنوا﴾ أي: أوجدوا هذه الحقيقة العظيمة في أنفسهم ﴿بالله﴾ أي: الملك الأعلى الذي له الجلال والإكرام ﴿ورسله﴾ أي: كلهم لأجل ما لهم من النسبة إليه فمن كذب واحد منهم لم يكن مؤمناً بالله تعالى: ﴿أولئك﴾ أي: هؤلاء العالو الرتبة ﴿هم الصديقون﴾ أي: الذين هم في غاية الصدق والتصديق لما يحق له أن يصدقه من سمعه؛ وقال القشيري الصديق من استوى ظاهره وباطنه؛ ويقال: هو الذي يحمل الأمر على الأشق ولا ينزل إلى الرخص ولا يجنح للتأويلات؛ وقال مجاهد: كل من آمن بالله تعالى ورسله عليهم السلام فهو صدّيق وتلا هذه الآية؛ وقال الضحاك: الآية خاصة في ثمانية نفر من هذه الأمة سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام أبو بكر وعلي وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة وتاسعهم عمر بن الخطاب رضى الله عنهم ألحقه الله تعالى بهم لما عرف من صدق نبيه ﷺ وعلى آله، واختلف في نظم قوله تعالى: ﴿والشهداء عند ربهم﴾ أي: المحسن إليهم بالتربية لمثل تلك الرتبة العالية فمنهم من قال: هي متصلة بما قبلها والواو للنسق وأراد بالشهداء المؤمنين المخلصين، وقال الضحاك: هم التسعة الذين سميناهم رضي الله عنهم؛ وقال مجاهد: كل مؤمن صدّيق وشهيد وتلا هذه الآية، وقال قوم: تم الكلام عند قوله تعالى: ﴿هم الصديقون﴾ ثم ابتدأ بقوله تعالى: ﴿والشهداء﴾ فهو مبتدأ وخبره ﴿لهم أجرهم﴾ أي: جعله ربهم لهم ﴿ونورهم﴾ أي: الذي زادهموه من فضله برحمته قالوا: والواو للاستئناف وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما ومسروق وجماعة؛ ثم اختلفوا فيهم فمنهم من قال: هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين يشهدون على الأمم يروى ذلك عن ابن عباس رضى الله عنهما وهو قول مقاتل بن حيان، وقال مقاتل بن سليمان: هم الذين استشهدوا في سبيل الله عز وجل.
(١١/٤٦٩)