ولما ذكر تعالى حال الفريقين في الآخرة حقر أمر الدنيا بقوله تعالى: ﴿اعلموا﴾ أي: أيها العباد المبتلون بحب الدنيا ﴿أنما الحياة الدنيا﴾ أي: الحاضرة التي رغب في الزهد فيها والخروج عنها بالصدقة والقرض الحسن، وما مزيدة للتأكيد أي: الحياة في هذه الدار ﴿لعب﴾ أي: لعب لا ثمرة له فهو باطل كلعب الصبيان ﴿ولهو﴾ أي: شيء يفرح به الإنسان فيلهيه أي يشغله عما يعنيه ثم ينقضي كلهو الفتيان، ثم أتبع ذلك أعظم ما يلهي في الدنيا بقوله تعالى: ﴿وزينة﴾ أي: شيء يبهج العين ويسر النفس كزينة النسوان وأتبعها ثمرتها بقوله تعالى: ﴿وتفاخر بينكم﴾ أي: كتفاخر الأقران يفتخر بعضهم على بعض فيجر ذلك إلى الحسد والبغضاء وأتبع ذلك بما يحصل به الفخر بقوله تعالى: ﴿وتكاثر﴾ أي: من الجانبين كتكاثر الرهبان ﴿في الأموال﴾ أي: التي لا يفتخر بها إلا أحمق لكونها مائلة ﴿والأولاد﴾ أي: التي لا يغتر بها إلا سفيه لأنها زائلة وآفاتها هائلة وإنما هي فتنة وابتلاء يظهر بها الشاكر من غيره، ثم ذلك كله قد يكون ذهابه عن قريب فيكون على أضداد ما كان عليه فيكون أشد في الحسرة ثم في آخر ذلك يموت فإذا هو قد اضمحل أمره ونسى عما قليل ذكره وصار ماله لغيره وزينته متمتعاً بها سواه، فالدنيا حقيرة وأحقر منها طالبها لأنها جيفة وطالب الجيفة ليس له خطر وأخسهم من يبخل بها، وقال علي لعمار: لا تحزن على الدنيا فإنّ الدنيا ستة أشياء: مأكول ومشروب وملبوس ومشموم ومركوب ومنكوح، فأحسن طعامها العسل وهو بزقة ذبابة، وأكثر شرابها الماء ويستوي فيه جميع الحيوان، وأفضل ملبوسها الديباج وهو نسج دودة، وأفضل مشمومها المسك وهو دم فأرة، وأفضل المركوب الفرس وعليها تقتل الرجال، وأما المنكوح فهو النساء وهو مبال في مبال والله إنّ المرأة لتزين أحسنها فيراد منها أقبحها ا. ه. ويناسب بعض ذلك قول الشاعر:
*فخير لباسها نسجات دود
... وخير شرابها قيء الذباب
*وأشهى ما ينال المرء فيها
(١١/٤٧١)