ألا ترى إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه كيف ترك الأمر شورى بين ستة ولم يتجاوز بها إلى سابع فذكر عز وجل الثلاثة والخمسة وقال ﴿ولا أدنى من ذلك﴾ فدلّ على الاثنين والأربعة، وقال: ﴿ولا أكثر﴾ فدلّ على ما يلي هذا العدد ويقاربه، وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال في خطبته الكبرى أخرجها الحارث ابن أبي أسامة رقى المنبر وقال: «يا أيها الناس ادنوا واسمعوا لمن خلفكم ثلاث مرات» فدنا الناس وانضمّ بعضهم إلى بعض والتفتوا فلم يروا أحداً فقال: رجل منهم بعد الثالثة: لمن نسمع يا رسول الله الملائكة فقال: «لا أنهم إذا كانوا معكم لم يكونوا بين أيديكم ولا خلفكم ولكن عن أيمانكم وعن شمائلكم» وعلى ذلك فليسوا في مكان الإيمان هنا والشمائل بل في المكانة من ذلك فالله جلّ جلاله أعلى وأجل وأنزه مكانة وأكرم استواء ﴿ثم ينبئهم﴾ أي: يخبر أصحاب النجوى أخباراً عظيماً ﴿بما عملوا﴾ دقيقه وجليله ﴿يوم القيامة﴾ الذي هو المراد الأعظم من الوجود لإظهار الصفات العلا فيه أتم إظهار ﴿إنّ الله﴾ الذي له الكمال كله ﴿بكل شيء﴾ أي: مما ذكر وغيره ﴿عليم﴾ أي: بالغ العلم فهو على كل شيء شهيد وهذا تحذير من المعاصي وترغيب في الطاعات.
واختلف في سبب نزول قوله تعالى: ﴿ألم تر﴾ أي: تعلم علماً هو كالرؤية ﴿إلى الذين نهوا عن النجوى﴾ فقيل: في اليهود وقيل: في المنافقين، وقيل: في فريق من الكفار وقيل في فريق من المسلمين لما روى أبو سعيد الخدري قال: «كنا ذات ليلة نتحدث إذ خرج علينا رسول الله ﷺ فقال ﷺ ما هذه النجوى فقلنا تبنا إلى الله تعالى يا رسول الله إنا كنا في ذكر المسيخ يعني الدجال فرقاً منه، فقال رسول الله ﷺ ألا أخبركم بما هو أخوف عندي منه قلنا بلى يا رسول الله قال: الشرك الخفي أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل» ذكره الماوردي.
(١٢/٦)