ولما كانوا يخفون ذلك جهدهم ويظنون بإملاء الله تعالى لهم أنه ﷺ لا يطلع عليه وإن اطلع عليه لم يقدر أن ينتقم منهم عبر عن ذلك بقوله تعالى: ﴿ويقولون في أنفسهم﴾ من غير أن يطلع عليه أحد ﴿لولا﴾ أي: هلا ولم لا ﴿يعذبنا الله﴾ أي: الذي له الإحاطة بكل شيء ﴿بما نقول﴾ أي: لو كان نبيناً لعذبنا الله بما نقول وقيل: قالوا إنه يردّ علينا ويقول: وعليكم السام فلو كان نبياً لاستجيب له فينا ومتنا وهذا موضع تعجب منهم فإنهم كانوا أهل الكتاب وكانوا يعلمون أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يغضبون فلا يعاجلون من يغضبهم بالعذاب ﴿حسبهم﴾ أي: كافيهم في الانتقام ﴿جهنم﴾ أي: الطبقة التي تلقاهم بالتجهم والعبوسة والفظاظة فإن حصل لهم في الدنيا عذاب كان زيادة على الكفاية فاستعجالهم بالعذاب محض رعونة ﴿يصلونها﴾ أي: يقاسون عذابها دائماً، فإنا قد أعددناها لهم ﴿فبئس المصير﴾ أي: مصيرهم.
﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي: ادعوا أنهم أوجدوا هذه الحقيقة ﴿إذا تناجيتم﴾ أي: اطلع كل منكم الكلام من نفسه فرفعه وكشفه لصاحبه سرّاً ﴿فلا تتناجوا﴾ أي: توجدوا هذه الحقيقة ﴿بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول﴾ أي: الكامل في الرسالة كفعل المنافقين واليهود، وقال مقاتل: أراد تعالى بقوله: ﴿آمنوا﴾ المنافقين آمنوا بلسانهم، وقال عطاء: يريد الذين آمنوا بزعمهم، وقيل: يا أيها الذين آمنوا بموسى ﴿وتناجوا بالبرّ والتقوى﴾ أي: الطاعة والعفاف عما نهى الله تعالى عنه ﴿واتقوا الله﴾ أي: اقصدوا قصداً يتبعه العمل بأن تجعلوا بينكم وبين سخط الملك الأعظم وقاية ﴿الذي إليه﴾ خاصة ﴿تحشرون﴾ أي: تجمعون بأيسر أمر وأسهله بقهر وكره وهو يوم القيامة، فيتجلى فيه سبحانه للحكم بين الخلق والإنصاف بينهم بالعدل ومحاسبتهم على النقير والقطمير، لا تخفى عليه خافية ولا تقي منه واقية.
(١٢/٩)