قال القرطبي: وظاهر الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال وذهب إليه ابن عمر ومالك والجمهور وسواء أكان التناجي في واجب أو مندوب أو مباح فإنّ الحزن ثابت به، وقد ذهب بعض الناس إلى أنّ ذلك كان في أوّل الإسلام لأنّ ذلك كان حال المنافقين فيتناجى المنافقون دون المؤمنين فلما فشا الإسلام سقط ذلك، وقال بعضهم: ذلك خاص بالسفر وفي المواضع التي لا يأمن الرجل فيها صاحبه فأمّا الحضر وبين العمارة فلا؛ لأنه يجد من يغيثه بخلاف السفر فإنه مظنة الاغتيال وعدم الغوث
ولما نهى المؤمنين عما يكون سبباً للتباغض والتنافر أمرهم الآن بما يصير سبباً لزيادة المحبة والمودّة بقوله تعالى:
(١٢/١٢)
﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي: الذين اتصفوا بهذا الوصف ﴿إذا قيل لكم﴾ أي: من أيّ قائل كان فإنّ الخير يرغب فيه لذاته ﴿تفسحوا﴾ أي: توسعوا أي: كلفوا أنفسكم في اتساع المواضع ﴿في المجلس﴾ أي: الجلوس أو مكانه لأجل من يأتي فلا يجد مجلساً يجلس فيه، قال قتادة ومجاهد: «كانوا يتنافسون في مجلس النبيّ ﷺ فأمرهم أن يفسح بعضهم لبعض»، وقال ابن عباس: المراد بذلك مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب، قال الحسن وزيد بن أبي حبيب «كان النبيّ ﷺ إذا قاتل المشركين تشاح أصحابه على الصف الأوّل فلا يوسع بعضهم لبعض رغبة في القتال والشهادة فنزلت». فيكون كقوله تعالى: ﴿مقاعد للقتال﴾ (آل عمران: ١٢١)


الصفحة التالية
Icon