وقال زيد بن أسلم «إنّ المنافقين واليهود كانوا يناجون النبيّ ﷺ ويقولون: إنه أذن يسمع كل ما قيل له، وكان لا يمنع أحداً من مناجاته فكان ذلك يشق على المسلمين لأنّ الشيطان كان يلقي في أنفسهم أنهم يناجون أنّ جموعاً اجتمعت للقتال فنزلت ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول﴾» أي: أردتم مناجاته ﴿فقدّموا﴾ أي: بسبب هذه الإرادة وقوله تعالى: ﴿بين يدي نجواكم﴾ استعارة ممن له يدان والمعنى: قبل نجواكم التي هي سرّكم الذي تريدون أن ترفعوه ﴿صدقة﴾ لقول عمر من أفضل ما أوتيت العرب الشعر يقدّمه الرجل أمام حاجته فيستمطر به الكريم ويستنزل به اللئيم يريد قبل حاجته، والصدقة تكون لكم برهاناً على إخلاصكم كما ورد أنّ الصدقة برهان فهي مصدّقة لكم في دعوى الإيمان بالله تعالى ورسوله ﷺ وبكل ما جاء به عن الله تعالى.
تنبيه: ظاهر الآية يدل على أنّ تقديم الصدقة كان واجباً لأنّ الأمر للوجوب ويؤكد ذلك قوله تعالى بعده: ﴿فإنّ لم تجدوا فإنّ الله غفور رحيم﴾ وقيل: كان مندوباً لقوله تعالى: ﴿ذلك﴾ أي: التصدّق ﴿خير لكم وأطهر﴾ أي: لأنفسكم من الريبة وحب المال هذا إنما يستعمل في التطوّع لا في الواجب ولأنه لو كان واجباً لما أزيل وجوبه والكلام متصل به وهو قوله تعالى: ﴿فإن لم تجدوا﴾ الآية.
وأجيب عن الأوّل: بأنّ المندوب كما يوصف بأنه خير وأطهر فكذلك أيضاً يوصف بهما الواجب.
وعن الثاني: بأنه لا يلزم من اتصال الآيتين في التلاوة كونهما متصلتين في القول كما قيل في الآية الدالة على وجوب الاعتداد أربعة أشهر وعشراً أنها ناسخة للاعتداد بحول وإن كان الناسخ متقدّماً في التلاوة.
(١٢/١٩)