وقوله تعالى: ﴿لقد كان لكم﴾ أي: يا أمّة محمد جواب قسم مقدّر ﴿فيهم﴾ أي: إبراهيم ومن معه من الأنبياء والأولياء ﴿أسوة حسنة﴾ أي: في التبري من الكفار، وكرّر للتأكيد. وقيل: نزل الثاني بعد الأول بمدّة. قال القرطبي: وما أكثر المكرّرات في القرآن على هذا الوجه. وقوله تعالى: ﴿لمن كان يرجو الله﴾ أي: الملك المحيط بجميع صفات الكمال ﴿واليوم الآخر﴾ أي: الذي يحاسب فيه على النقير والقطمير بدل من الضمير في لكم بدل بعض من كل، وفي ذلك بيان أنّ هذه الأسوة لمن يخاف الله ويخاف عذاب الآخرة ﴿ومن يتول﴾ أي: يوقع الأعراض عن أوامر الله تعالى فيوالي الكفار ﴿فإن الله﴾ أي: الذي له الإحاطة الكاملة ﴿هو﴾ أي: خاصة ﴿الغنيّ﴾ أي: عن كل شيء ﴿الحميد﴾ أي: الذي له الحمد المحيط لإحاطته بأوصاف الكمال، فهو حميد في نفسه وصفاته، أو حميد إلى أوليائه وأهل طاعته.
ولما نزلت الآية الأولى عادى المسلمون أقرباءهم من المشركين، فعلم الله تعالى شدّة وجد المسلمين في ذلك فنزل ﴿عسى الله﴾ أي: أنتم جديرون بأن تطمعوا في الملك إلا على المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿أن يجعل﴾ أي: بأسباب لا تعلمونها ﴿بينكم وبين الذين عاديتم منهم﴾ أي: كفار مكة ﴿مودة﴾ أي: بأن يلهمهم الإيمان فيصيروا لكم أولياء، وقد جعل ذلك عام الفتح تحقيقاً لما رجاه سبحانه، لأنّ عسى من الله تعالى وعد، وهو لا يخلف الميعاد ﴿والله﴾ أي الذي له كمال الإحاطة ﴿قدير﴾ أي: بالغ القدرة على كل ما يريده، فهو يقدر على تقليب القلوب وتيسير العسير ﴿والله﴾ أي: الذي له جميع صفات الكمال ﴿غفور﴾ أي: محاء لا عيان الذنوب وآثارها ﴿رحيم﴾ يكرم الخاطئين إذا أراد بالتوبة، ثم بالجزاء غاية الإكرام فيغفر لما فرط منكم في موالاتهم من قبل، وما بقي في قلوبكم من ميل الرحم وقوله تعالى:
(١٢/٩٤)


الصفحة التالية
Icon