تنبيه: في قوله تعالى: حكاية عنها ﴿سميتها مريم﴾ دليل على أنّ الإسم والمسمّى والتسمية أمور متغايرة أو معنى سميتها مريم جعلت اسم المولود مريم ﴿وإني أعيذها﴾ أي: أجيرها ﴿بك﴾ أي: بحفظك ﴿وذرّيتها﴾ أي: أولادها ﴿من الشيطان الرجيم﴾ أي: المطرود. روى الشيخان: «ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً إلا مريم وابنها» ولا يبعد كما قال الطيبي اختصاص عيسى وأمّه بهذه الفضيلة دون الأنبياء لجواز أن يمكن الله تعالى الشيطان من مسهم مع عصمتهم من الإغواء ولا يمتنع كما قال التفتازاني: أن يمس الشيطان المولود حين يولد بحيث يصرخ كما ترى وتسمع وليست تلك المسة للإغواء ليدفع أنه لا يتصوّر في حق المولود حيث يولد وحينئذٍ فقول البيضاويّ معناه أنّ الشيطان يطمع في إغواء كل مولود أي: لا يمسه فيه إخراج الحديث عن ظاهره، وتبع فيه الزمخشريّ وهو ما سلكه المعتزلة حيث أنكروا هذا الحديث وقدحوا في صحته؛ لأنّ الشيطان إنما يدعو إلى الشر من له تمييز. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى قال: قال رسول الله ﷺ «كل بني آدم يطعنه الشيطان في جنبيه بإصبعيه حين يولد غير عيسى بن مريم ذهب يطعنه فطعنه في الحجاب».
﴿فتقبلها ربها﴾ أي: قبل مريم من أمّها ورضي بها في النذر مكان الذكر ﴿بقبول حسن﴾ وهو اختصاصه لها بإقامتها مقام الذكر في النذر ولم يقبل قبلها أنثى ﴿وأنبتها نباتاً حسناً﴾ أي: أنشأها بخلق حسن فكانت تنبت في اليوم كما ينبت المولود في العام ﴿وكفلها زكريا﴾ قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ بتشديد الفاء وقصروا زكريا غير عاصم في رواية ابن عياش على أنّ الفاعل هو الله تعالى وزكريا مفعول أي: جعله كافلاً لها وضامناً لمصالحها فلا بدّ من تقدير مضاف في الآية وهو مصالح؛ لأنّ كفالة البدن لا معنى لها، وقرأ الباقون بتخفيف الفاء ومدّوا زكريا مرفوعاً على الفاعلية.
(٢/٤)


الصفحة التالية
Icon