﴿مثل الذين حملوا التوراة﴾ أي: كلفوا وألزموا حمل الكتاب الذي آتاه الله تعالى لبني إسرائيل على لسان موسى عليه الصلاة والسلام، بأن علمهم إياها سبحانه وكلفهم حفظ ألفاظها عن التغيير والنسيان ومعانيها عن التحريف والتلبيس، وحدودها وأحكامها عن الإهمال والتضييع ﴿ثم لم يحملوها﴾ أي: بأن حملوا ألفاظها ولم يعملوا بما فيها من الوصية باتباع عيسى عليه الصلاة والسلام إذا جاءهم، ثم بمحمد ﷺ إذا جاء فهي ضارة لهم بشهادتها عليهم فإذا لهم النار من غير نفع أصلاً ﴿كمثل﴾ أي: مثلهم مثل ﴿الحمار﴾ أي: الذي هو أبلد الحيوان فهو مثل في الغباوة حال كونه ﴿يحمل أسفاراً﴾ أي: كتباً كباراً من كتب العلم جمع سفر، وهو الكتاب الكبير المسفر عما فيه، في عدم الانتفاع بها لأنه يمشي ولا يدري منها إلا ما يضر بجنبيه وظهره من الكد والتعب، وكل من علم ولم يعمل بعلمه فهذا مثله ومثل ذلك قول الشاعر:

*زوامل للأسفار لا علم عندهم بجيدها إلا كعلم الأباعر*
*لعمرك ما يدري البعير إذا غدا بأحماله أو راح ما في الغرائر*
من إنشاد الشيخ ابن الخباز. ﴿بئس مثل القوم﴾ أي: الذين لهم قوة شديدة على محاولة ما يريدون ﴿الذين كذبوا﴾ أي: محمداً على علم ﴿بآيات الله﴾ أي: دلالات الملك الأعظم على رسوله، ولاسيما محمد ﷺ والمخصوص بالذم محذوف تقديره: هذا المثل ﴿والله﴾ أي: الذي له جميع صفات الكمال ﴿لا يهدي القوم﴾ أي: لا يخلق الهداية في قلوب الذين تعمدوا الزيغ ﴿الظالمين ﴾ أي: الذين تعمدوا الظلم بمنابذة الهدى الذي هو البيان، الذي لم يدع لبساً حتى صار الظلم لهم صفة راسخة.
ولما ادعت اليهود الفضيلة وقالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه نزل قوله تعالى:
(١٢/١٣٩)


الصفحة التالية
Icon