ولما كان الحبس في البرزخ أمراً لا بد منه مهولاً نبه عليه وعلى طوله بأداة التراخي فقال تعالى: ﴿ثم تردون إلى عالم الغيب﴾ أي: السر ﴿والشهادة﴾ أي: العلانية، أو كل ما غاب عن الخلق، وكل ما شوهد ﴿فينبئكم﴾ أي: يخبركم إخباراً عظيماً مستقصى مستوفى ﴿بما كنتم﴾ أي: بما هو لكم كالجبلة ﴿تعملون﴾ أي: بكل جزء منه بما برز إلى الخارج، وبما كان في جبلاتكم ولو بقيتم لفعلتموه ليجازيكم.
﴿يا أيها الذين أمنوا﴾ أي: أقروا بألسنتهم بالإيمان ﴿إذا نودي﴾ أي: من أي مناد كان من أهل النداء ﴿للصلاة﴾ أي: صلاة الجمعة ﴿من﴾ أي: في ﴿يوم الجمعة﴾ كقوله تعالى: ﴿أروني ماذا خلقوا من الأرض﴾ (فاطر: ٤٠)
أي: في الأرض، والمراد بهذا النداء الأذان عند قعود الإمام على المنبر للخطبة، لأنه لم يكن في عهد رسول الله ﷺ نداء سواه، كان إذا جلس رسول الله ﷺ على المنبر أذن بلال، وعن السائب بن يزيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثاني على الدور، زاد في رواية فثبت الأمر على ذلك.
(١٢/١٤٢)
وعن أبي داود قال: كان يؤذن بين يدي رسول الله ﷺ إذا جلس يوم الجمعة على المنبر على باب المسجد، روي أنه كان لرسول الله ﷺ مؤذن واحد فكان إذا جلس على المنبر أذن على باب المسجد، فإذا نزل أقام الصلاة، ثم كان أبو بكر وعمر وعلي بالكوفة على ذلك حتى إذا كان عثمان، وكثر الناس وتباعدت المنازل زاد أذاناً آخر، فأمر بالتأذين الأول على داره التي تسمى زوراء، فإذا سمعوا أقبلوا حتى إذا جلس عثمان على المنبر أذن الأذان الثاني الذي كان على زمن النبي ﷺ فإذا نزل أقام الصلاة، فلم يعب ذلك عليه لقوله ﷺ «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي».