ولما أمر بالمبادرة إلى تجارة الآخرة قال تعالى ناهياً عن تجارة الدنيا التي تعوق عن الجمعة ﴿وذروا البيع ﴾ أي: اتركوا البيع والشراء؛ لأن اسم البيع يتناولهما جميعاً، وإنما يحرم البيع والشراء عند الأذان الثاني. وقال الزهري: عند خروج الإمام، وقال الضحاك: إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء. وإنما خص البيع من بين الأمور الشاغلة عن ذكر الله تعالى، لأن يوم الجمعة يوم تهبط الناس فيه من بواديهم وقراهم، وينصبون إلى المصر من كل أوب ووقت هبوطهم واجتماعهم، واختصاص الأسواق إذا انتفخ النهار وتعالى الضحى، ودنا وقت الظهيرة وحينئذ تنجز التجارة ويتكاثر البيع والشراء، فلما كان ذلك الوقت مظنة للذهول بالبيع عن ذكر الله والمضي إلى المسجد قيل: بادروا تجارة الآخرة، واتركوا تجارة الدنيا، واسعوا إلى ذكر الله ﴿ذلكم﴾ أي: الأمر العالي الرتبة من فعل السعي، وترك الاشتغال بالدنيا ﴿خير لكم﴾ لأن الأمر الذي أمركم به الذي له الأمر كله، وهو يريد تطهيركم في أديانكم وأبدانكم وأموالكم وبيده إسعادكم وإشقاؤكم.
فإن قيل: إذا كان البيع في هذا الوقت محرماً فهل هو فاسد؟.
(١٢/١٤٨)


الصفحة التالية
Icon