وقال ابن عباس: أي لعنهم الله، وقال أبو مالك: هي كلمة ذم وتوبيخ، وقد تقول العرب: قاتله الله ما أشعره فيضعونه موضع التعجب ﴿أنى﴾ أي: كيف، ومن أيّ جهة ﴿يؤفكون﴾ أي: يصرفهم عن قبح ما هم عليه صارف ما كائن ما كان ليرجعوا عما هم عليه، وقال ابن عباس: أنى يؤفكون، أي: يكذبون، وقال مقاتل: أي: يعدلون عن الحق، وقال الحسن: يصرفون عن الرشد، وقيل: معناه كيف تضل عقولهم عن هذا مع وضوح الدلائل، وهو من الإفك.
﴿وإذا قيل لهم﴾ أي: من أيّ قائل كان ﴿تعالوا﴾ أي: ارفعوا أنفسكم مجتهدين في ذلك بالمجيء إلى أشرف الخلق الذي لا يزال مكانه عالياً لعلوّ مكانته ﴿يستغفر لكم﴾ أي: يطلب الغفران لأجلكم خاصة من أجل هذا الكذب أي: الذي أنتم مصرّون عليه ﴿رسول الله﴾ أي: أقرب الخلق إلى الملك الأعظم الذي لا شبيه لوجوده ﴿لوّوا رؤوسهم﴾ أي: فعلوا اللي بغاية الشدّة والكثرة، وهو الصرف إلى جهة أخرى إعراضاً وعتواً، وإظهاراً للبغض والنفرة ﴿ورأيتهم﴾ أي: بعين البصيرة ﴿يصدّون﴾ أي: يعرضون إعراضاً قبيحاً عما دعوا إليه، مجدّدين لذلك كلما دعوا إليه، والجملة في وضع المفعول الثاني لرأيت ﴿وهم مستكبرون﴾ أي: ثابتوا الكبر عما دعوا إليه، وعن إحلال أنفسهم في محل الاعتذار فهم لشدّة غلظهم لا يدركون قبح ما هم عليه، ولا يهتدون إلى دوائه، وإذا أرشدهم غيرهم ونبههم لا ينتبهون.
فقد روي أنه لما نزل القرآن فيهم أتاهم عشائرهم من المؤمنين، وقالوا: ويحكم افتضحتم وأهلكتم أنفسكم، فأتوا رسول الله ﷺ وتوبوا إليه من النفاق، واسألوه أن يستغفر لكم فلووا رؤوسهم، أي: حرّكوها إعراضاً وإباء قاله ابن عباس.
(١٢/١٦٥)