﴿زعم الذين كفروا﴾ أي: أوقعوا الستر لما دلت عليه العقول من وحدانية الله تعالى، ولو على أدنى الوجوب. وزعم قال ابن عربي: كنية الكذب، وقال الزمخشري: الزعم ادعاء العلم، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «زعموا مطية الكذب» وعن شريح: لكل شيء كنية، وكنية الكذب زعموا. وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه عند أبي داود: «بئس مطية الرجال زعموا» ﴿أن لن يبعثوا﴾ أي: من أي باعث ما بوجه من الوجوه ﴿قل﴾ أي: يا أشرف الرسل لهؤلاء البعداء ﴿بلى﴾ أي: لتبعثن ثم أكد بصريح القسم فقال: ﴿وربي﴾ أي: المحسن إلي بالانتقام ممن كذب بي ﴿لتبعثنّ﴾ أي: بأهون شيء وأيسر أمر ﴿ثم لتنبؤن﴾ أي: تخبرنّ إخباراً عظيماً ممن يقيمه الله تعالى لإخباركم ﴿بما عملتم﴾ أي: بأعمالكم لتجزون عليها ﴿وذلك﴾ أي: الأمر العظيم عندكم من البعث والحساب ﴿على الله﴾ أي: المحيط بصفات الكمال وحده ﴿يسير﴾ إذ الإعادة أسهل من الابتداء.
فإن قيل: كيف يفيد القسم في إخباره عن البعث، وهم قد أنكروا الرسالة؟.
(١٢/١٨٢)
أجيب: بأنهم أنكروا الرسالة لكنهم يعتقدون أنه يعتقد ربه اعتقاداً جازماً فيعلمون أنه لا يقدم على القسم بربه إلا وأن يكون الإخبار عنده صدقاً أظهر من الشمس في اعتقاده، ثم إنه أكد الخبر باللام والنون فكأنه قسماً بعد قسم.
ثم إن الله تعالى لما أخبر عن البعث، والاعتراف بالبعث من لوازم الإيمان قال تعالى:
﴿فآمنوا بالله﴾ أي: الملك الذي له الإحاطة الكاملة بكل شيء ﴿ورسوله﴾ أي: كل من أرسله ولا سيما محمداً ﷺ ﴿والنور﴾ أي: القرآن ﴿الذي أنزلنا﴾ أي: بما لنا من العظمة؛ لأنه نور يهتدى به من ظلمة الضلالة كما يهتدى بالنور في الظلمات.


الصفحة التالية
Icon