روي أنه مرّ وهو طفل بصبيان فدعوه للعب فقال: ما للعب خلقت. وقال سعيد بن المسيب: الحصور هو المعسر الذي لا مال له فيكون الحصور بمعنى المحصور كأنه ممنوع من النساء وقيل: كان له مثل هدبة الثوب، وقد تزوّج مع ذلك ليكون أغض لبصره، وقيل: هو الممتنع من الوطء مع القدرة عليه واختار قوم هذا القول لوجهين: أحدهما أنّ الكلام خرج مخرج الثناء وهذا أقرب إلى استحقاق الثناء، والثاني أنه أبعد من إلحاق الآفة بالأنبياء ﴿ونبياً﴾ ناشئاً ﴿من الصالحين﴾ لأنه كان من أصلاب الأنبياء أو كائناً من جملة الصالحين فمن على هذا للتبعيض كقوله تعالى: ﴿وإنه في الآخرة لمن الصالحين﴾ (البقرة، ١٣٠).
﴿قال رب أنى﴾ أي: كيف ﴿يكون لي غلام﴾ أي: ابن ﴿وقد بلغني الكبر﴾ أي: أدركني كبر السن وأثر فيّ وكان عمره مائة وعشرين سنة وقيل: تسعاً وتسعين سنة ﴿وامرأتي عاقر﴾ أي: لا تلد من العقر وهو القطع؛ لأنها ذات عقر من الأولاد وكانت بنت ثمان وتسعين سنة.
فإن قيل: كيف قال زكريا بعدما وعده الله تعالى أن يكون له غلام أنى يكون لي غلام أكان شاكاً في وعد الله وفي قدرته؟ أجيب: بأنه قال ذلك استبعاداً من حيث العادة كما قالت مريم أو استعظاماً وتعجباً أو استفهاماً عن كيفية حدوثه أي: أتجعلني وامرأتي شابين أوترزقنا ولداً على الكبر منا أو ترزقني امرأة أخرى؟ وقيل: إنّ زكريا لما سمع نداء الملائكة جاءه الشيطان فقال: يا زكريا إنّ الصوت الذي سمعت ليس هو من الله إنما هو من الشيطان، ولو كان من الله لأوحاه إليك كما يوحي إليك في سائر الأمور، فقال ذلك دفعاً للوسوسة ﴿قال﴾ الأمر ﴿كذلك﴾ أي: من خلق غلام منكما ﴿الله يفعل ما يشاء﴾ لا يعجزه عنه شيء ولإظهار هذه القدرة العظيمة ألهمه الله السؤال ليجاب بها ولما تاقت نفسه إلى سرعة المبشر به.
(٢/١١)