وقرأ قالون وابن كثير وعاصم بإظهار الدال عند الظاء، والباقون بالإدغام ﴿لا تدري﴾ أي: نفس، أو أنت أيها النبي، أو المطلق ﴿لعل الله﴾ أي: الذي بيده القلوب ومقاليد جميع الأمور ﴿يحدث﴾ أي: يوجد شيئاً حادثاً لم يكن إيجاداً ثابتاً لا تقدر الخلق على التسبب في زواله ﴿بعد ذلك﴾ أي: الحادث من الإساءة والبغض ﴿أمراً﴾ بأن يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها، ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه فيراجعها.
وقال أكثر المفسرين: أراد بالأمر هنا الرغبة في الرجعة، ومعنى الكلام التحريض على طلاق الواحدة والنهي عن الثلاث، وهذا أحسن الطلاق وأحله في السنة وأبعده عن الندم..
ويدل عليه ما روي عن ابراهيم النخعي أن أصحاب رسول الله ﷺ كانوا يستحبون أن لا يطلقوا للسنة إلا واحدة، ثم لا يطلقون غير ذلك حتى تنقضي العدة، وكان أحسن عندهم من أن يطلق الرجل ثلاثاً في ثلاثة أطهار. وقال مالك بن أنس: لا أعرف طلاق السنة إلا واحدة، وكان يكره الثلاث مجموعة كانت أو مفرقة. وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنما كرهوا ما زاد على الواحدة في طهر واحد، فأما مفرقاً في الأطهار فلا لما روي عن النبي ﷺ أنه قال لابن عمر حين طلق امرأته وهي حائض: «ما هكذا أمر الله إنما السنة أن تستقبل الطهر استقبالاً وتطلقها لكل قرء تطليقة» وروي أنه قال لعمر: «مر ابنك فليراجعها ثم ليدعها تحيض، ثم تطهر ثم ليطلقها إن شاء فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء» وعند الشافعي لا بأس بإرسال الثلاث وقال: لا أعرف في عدد الطلاق سنة ولا بدعة، وهو مباح. ومالك يراعي في طلاق السنة الواحدة والوقت، وأبو حنيفة يراعي التفريق والوقت، والشافعي يراعي الوقت وحده.
(١٢/٢٠٢)


الصفحة التالية
Icon