﴿يجعل له﴾ أي: يوجد إيجاداً مستمراً باستمرار التقوى، إن الله لا يمل حتى تملوا ﴿من أمره﴾ أي: كله في النكاح وغيره ﴿يسراً﴾ أي: سهولة وفرجاً وخيراً في الدارين بالدفع والنفع، وذلك أعظم من مطلق الخروج المتقدم في الآية الأولى، وقال مقاتل: ومن يتق الله في اجتناب معاصيه يجعل له من أمره يسراً في توفيقه لطاعته.
﴿ذلك﴾ أي: الأمر المذكور من جميع هذه الأحكام العالية المراتب ﴿أمر الله﴾ أي: الملك الأعلى الذي له الكمال كله ﴿أنزله إليكم﴾ وبينه لكم ﴿ومن يتق الله﴾ أي: الذي لا أمر لأحدٍ معه في أحكامه فيراعي حقوقها ﴿يكفر﴾ أي: يغط تغطية عظيمة ﴿عنه سيئاته﴾ ليتخلى عن المبعدات، فإن الحسنات يذهبن السيئات ﴿ويعظم له أجراً﴾ بأن يبدل سيئاته حسنات، ويوفيه أجرها في الدارين مضاعفة فيتحلى بالقربات، وهذا أعظم من مطلق اليسر المتقدم.
﴿أسكنوهن﴾ وقال الرازي: أسكنوهن وما بعده بيان لما شرط من التقوى في قوله تعالى: ﴿ومن يتق الله﴾ كأنه قيل: كيف نعمل بالتقوى في شأن المعتدات؟ فقيل: أسكنوهن.
(١٢/٢١٣)
وقوله تعالى: ﴿من حيث سكنتم﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن من للتبعيض، قال الزمخشري: مبعضها محذوف، معناه: أسكنوهن مكاناً من حيث سكنتم، أي: بعض مكان سكناكم كقوله تعالى: ﴿يغضوا من أبصارهم﴾ (النور: ٣٠)
أي: بعض أبصارهم. قال قتادة: إن لم يكن إلا بيت واحد أسكنها في بعض جوانبه. قال الرازي: وقال الكسائي: من صلة، والمعنى: اسكنوهن حيث سكنتم. والثاني: أنها لابتداء الغاية، قاله الحوفي وأبو البقاء. قال أبو البقاء: والمعنى: تسببوا إلى إسكانهن من الوجه الذي تسكنون أنفسكم، ودل عليه قوله تعالى: ﴿من وجدكم﴾ أي: من وسعكم، أي: ما تطيقونه وفي إعرابه وجهان: أحدهما: أنه عطف بيان لقوله تعالى: ﴿من حيث سكنتم﴾ وإليه ذهب الزمخشري وتبعه البيضاوي. قال ابن عادل: أظهرهما أنه بدل من قوله ﴿من حيث﴾ بتكرار العامل، وإليه ذهب أبو البقاء كأنه قيل: أسكنوهن من وسعكم.


الصفحة التالية
Icon