قال القاضي عياض: والصواب أن شرب العسل كان عند زينب بنت جحش، ذكره النووي في شرح مسلم، وكذا ذكره أيضاً القرطبي. وقال أكثر المفسرين في سبب نزول ذلك: «أن النبي ﷺ كان يقسم بين نسائه فلما كان يوم حفصة استأذنت رسول الله ﷺ في زيارة أبيها فأذن لها، فلما خرجت أرسل رسول الله ﷺ إلى جاريته مارية القبطية فأدخلها بيت حفصة فوقع عليها فلما رجعت حفصة وجدت الباب مغلقاً فجلست عند الباب فخرج رسول الله ﷺ ووجهه يقطر عرقاً وحفصة تبكي، فقال ﷺ ما يبكيك؟ فقالت: إنما أذنت لي من أجل ذلك أدخلت أمتك بيتي ثم وقعت عليها في يومي على فراشي، أما رأيت لي حرمة وحقاً، ما كنت تصنع هذا بإمرأة منهن، فقال رسول الله ﷺ أليس هي جاريتي قد أحلها الله لي فهي حرام علي ألتمس بذلك رضاك فلا تخبري بهذا امرأة منهن، فلما خرج رسول الله ﷺ قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت: ألا أبشرك أن رسول الله ﷺ قد حرم عليه أمته مارية، وأن الله قد أراحنا منها، وأخبرت عائشة بما رأت وكانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواج رسول الله ﷺ فغضبت عائشة، فلم يزل نبي الله ﷺ حتى حلف أن لا يقربها».
وعن أنس بن مالك «أن رسول الله ﷺ كان له أمة يطؤها، فلم تزل عائشة وحفصة حتى حرمها على نفسه، فأنزل الله تعالى ﴿يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك﴾ الآية» أخرجه النسائي.
فإن قيل: قوله تعالى: ﴿لم تحرم ما أحل الله لك﴾ يوهم أن الخطاب بطريق العتاب، وخطاب النبي ﷺ ينافي ذلك لما فيه من التشريف والتعظيم؟.
أجيب: بأنه ليس بطريق العتاب بل بطريق التنبيه على أن ما صدر منه لم يكن على ما ينبغي.
(١٣/٤)


الصفحة التالية
Icon