تنبيه: قوله تعالى: ﴿قلوبكما﴾ من أفصح الكلام حيث أوقع الجمع موقع المثنى استثقالاً لمجيء تثنيتين لو قيل: قلباكما، ومن شأن العرب إذا ذكروا الشيئين من اثنين جمعوهما لأنه لا يشكل، والأحسن في هذا الباب الجمع ثم الإفراد ثم التثنية كقوله:

*فتخالسا نفسيهما بتواقد ال غيظ الذي من شأنه لم يرفع*
وقال ابن عصفور: لا يجوز الإفراد إلا في ضرورة، كقوله:
*حمامة بطن الواديين ترنمي سقاك من الغر الغوادى مطيرها*
وتبعه أبو حيان، وغلط ابن مالك في كونه جعله أحسن من التثنية. قال ابن عادل: وليس بغلط لكراهة توالي تثنيتين مع أمن اللبس، وقوله تعالى ﴿إن تتوبا﴾ فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، والمراد بهذا الخطاب إما المؤمنتان بنتا الشيخين الكريمين عائشة وحفصة حثهما على التوبة على ما كان منهما من الميل إلى خلاف محبة رسول الله ﷺ فإنهما كرها ما أحبه رسول الله ﷺ من إحباب جاريته وإحباب العسل، وكان ﷺ يحب العسل والنساء.
وقال ابن زيد: مالت قلوبكما بأن سرهما أن يحتبس عن أم ولده، فسرهما ما كرهه رسول الله ﷺ وقيل: قد مالت قلوبكما إلى التوبة.
روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له حتى خرج حاجاً فخرجت معه، فلما رجع وكان ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له فوقفت حتى فرغ، ثم سرت معه بإداوة ثم جاء فسكبت على يديه منها فتوضأ، فلما رجع قلت: يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي ﷺ فقال: تلك حفصة وعائشة، قال: فقلت له: والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذه منذ سنة فما أستطيع هيبة لك. قال: فلا تفعل ما ظننت أن عندي من علم فسلني عنه فإن كنت أعلمه أخبرتك»، وفي رواية قال: وا عجباً لك يا ابن عباس.
(١٣/٩)


الصفحة التالية
Icon