فإن قيل: إنه تعالى خاطب المشركين في قوله تعالى: ﴿فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين﴾ (البقرة: ٢٤) فجعلها معدة للكافرين فما معنى مخاطبته للمؤمنين بذلك؟ أجيب: بأن الفساق وإن كانت دركاتهم فوق دركات الكفار فإنهم مع الكفار في دار واحدة، فقيل للذين آمنوا: ﴿قوا أنفسكم﴾ باجتناب الفسوق مساكنة الذين أعدت لهم هذه الدار الموصوفة، ويجوز أن يأمرهم بالتوقي عن الارتداد والندم على الدخول في الإسلام، وأن يكون خطاباً للذين آمنوا بألسنتهم وهم المنافقون.
قال الزمخشري: ويعضد ذلك قوله تعالى على الإثر:
﴿يا أيها الذين كفروا﴾ أي: بالإخلال بالأدب مع النبي ﷺ فأداهم ذلك إلى الإخلال بالأدب مع الله تعالى، وبالأدب مع سائر خلقه ﴿لا تعتذروا﴾ أي: تبالغوا في إظهار العذر هو إيساغ الحيلة في وجه يزيل ما ظهر من التقصير ﴿اليوم﴾ فإنه يوم الجزاء لا يوم الاعتذار، وقد فات زمان الاعتذار وصار الأمر إلى ما صار وهذا النهي لتحقيق اليأس ﴿إنما تجزون﴾ أي: في هذا اليوم ﴿ما كنتم﴾ أي: ما هو لكم كالجبلة والطبع ﴿تعملون﴾ في الدنيا، ونظيره ﴿فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم﴾ (الروم: ٥٧) قال البقاعي: ولا بعد على الله في أن يصور لكل إنسان صورة عمله بحيث لا يشك أنه عمله ثم يجعل تلك الصورة عذابه الذي يجد فيه من الألم ما علم الله تعالى أنه بمقدار استحقاقه.
ولما بين تعالى أن المعذرة لا تنفع في ذلك اليوم أمر بالتوبة في الدنيا بقوله تعالى:
(١٣/٢٠)
﴿يا أيها الذين آمنوا توبوا﴾ أي: ارجعوا رجوعاً تاماً ﴿إلى الله﴾ أي: الملك الذي لا نظير له ﴿توبة﴾ وقوله: ﴿نصوحاً﴾ صيغة مبالغة أسند النصح إليها مجازاً، وهي من نصح الثوب إذا خاطه فكأن التائب يرقع بالمعصية. وقيل: من قولهم: ناصح، أي: خالص. وقرأ شعبة بضم النون، والباقون بفتحها.


الصفحة التالية
Icon