ولما قال ذلك لبني إسرائيل قالوا: وما هي؟ قال: هي ﴿إني﴾ قرأ نافع وحده بكسر الهمزة على الاستئناف، وفتح الياء من إني نافع وأبو عمرو، وسكنها الباقون ﴿أخلق﴾ أي: أصوّر ﴿لكم من الطين كهيئة الطير﴾ أي: مثل صورته فيصير طيراً كسائر الطيور وحياً طياراً، والكاف اسم مفعول وقرأ ورش بالمدّ على الياء من هيئة والتوسط كما تقدّم في شيء ﴿فأنفخ فيه﴾ الضمير للكاف أي: في ذلك المماثل للطير أي: في فيه ﴿فيكون طيراً بإذن الله﴾ أي: بإرادته نبه بذلك على أن إحياءه من الله تعالى لا منه، وقرأ نافع بألف بعد الطاء بعدها همزة مكسورة ورقق ورش الراء على أصله والباقون بياء ساكنة بعد الطاء من غير ألف فقراءة الجمع نظراً إلى أنه خلق طيراً كثيراً وقراءة المفرد نظراً إلى أنه نوع واحد من الطير؛ لأنه لم يخلق غير الخفاش وإنما خص الخفاش؛ لأنه أكمل الطير خلقاً؛ لأنّ له أسناناً وللأنثى ثدياً وتحيض، قال وهب: كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتاً ليتميز فعل الخلق من فعل الله وليعلم أنّ الكمال لله عز وجلّ.
﴿وأبرىء﴾ أي: أشفي ﴿الأكمه﴾ وهو الذي ولد أعمى أو ممسوح العينين. قال الزمخشريّ: ويقال لم يكن في هذه الأمّة أكمه غير قتادة بن دعامة السدوسي صاحب «التفسير» ولعل هذا على التفسير الثاني ﴿والأبرص﴾ وهو الذي به برص وهو بياض شديد يبقع الجلد ويذهب دمويته وإنما خص هذين المرضين بالذكر؛ لأنهما أعييا الأطباء وكان الغالب في زمن عيسى الطب فأراهم المعجزة من جنس ذلك، قال وهب: ربما اجتمع على عيسى من المرضى في اليوم الواحد خمسون ألفاً، من أطاق منهم أن يبلغه أتاه ومن لم يطق أتاه عيسى وما كانت مداواته إلا بالدعاء وحده على شرط الإيمان.
(٢/١٩)