تنبيه: في القلم المقسم به قولان: أحدهما: أن المراد به الجنس وهو واقع على كل قلم يكتب به في السماء والأرض، قال تعالى: ﴿وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم﴾ (العلق: ٣ ـ ٥) ولأنه ينتفع به كما ينتفع بالنطق، قال تعالى: ﴿خلق الإنسان علمه البيان﴾ (الرحمن: ٣ ـ ٤)، فالقلم يبين كما يبين اللسان في المخاطبة بالكتابة للغائب والحاضر، والثاني: أنه القلم الذي جاء في الخبر عن ابن عباس رضي الله عنهما: أول ما خلق الله تعالى القلم، ثم قال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل أو أجل أو رزق أو أثر، فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة قال: ثم ختم فم القلم فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة، قال: وهو قلم من نور طوله كما بين السماء والأرض.
وروى مجاهد أول ما خلق الله تعالى القلم فقال: اكتب المقدر، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، وإنما يجري في الناس على أمر قد فرغ منه، قال ابن عادل: قال القاضي: هذا الخبر يجب حمله على المجاز، لأن القلم آلة مخصوصة للكتابة لا يجوز أن يكون حياً عاقلاً فيؤمر وينهى، فإن الجمع بين كونه حيواناً مكلفاً وبين كونه آلة للكتابة محال، بل المراد منه إنه تعالى أجراه بكل ما يكون وهو قوله تعالى: ﴿إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون﴾ (آل عمران: ٤٧) فإنه ليس هناك أمر ولا تكليف بل هو مجرد نفاذ القدرة في المقدور من غير منازعة ولا مدافعة، اه.
وقوله: فإن الجمع إلى قوله: محال، ممنوع فإن الله تعالى خلق فيه ذلك كما قال تعالى للسموات والأرض: ﴿ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين﴾ (فصلت: ١١) وقال الزمخشري: أقسم بالقلم تعظيماً له لما في خلقه وتسويته من الدلالة على الحكمة العظيمة ولما فيه من المنافع والفوائد التي لا يحيطها الوصف.
(١٣/٦٨)


الصفحة التالية
Icon