وقال ابن عباس: أول ما نزل قوله تعالى: «سبح اسم ربك الأعلى» (الأعلى: ١) وهذه الآية هي الثانية نقله الرازي، وذكر القرطبي أن المشركين كانوا يقولون للنبيّ ﷺ مجنون به شيطان وهو قولهم: ﴿يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون﴾ (الحجر: ٦) فأنزل الله تعالى رداً عليهم وتكذيباً لقولهم: ﴿ما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون﴾ (الطور: ٢٩)، أي: برحمة ربك والنعمة ههنا الرحمة، وقال عطاء وابن عباس: يريد بنعمة ربك عليك بالإيمان والنبوة، وقال القرطبي: يحتمل أن النعمة ههنا قسم تقديره ما أنت ونعمة ربك بمجنون لأن الواو والباء من حروف القسم.
وقال الرازي: إنه تعالى وصفه بصفات ثلاث:
الأولى: نفي الجنون عنه، ثم قرن بهذه الدعوى ما يكون كالدلالة القاطعة على صحتها، لأن قوله: ﴿بنعمة ربك﴾ يدل على أن نعم الله تعالى ظاهرة في حقه من الفصاحة التامة والعقل الكامل والسيرة المرضية والبراءة من كل عيب والاتصاف بكل مكرمة، وإذا كانت هذه النعم المحسوسة ظاهرة ووجودها ينافي حصول الجنون فالله تعالى نبه على أن هذه الدقيقة جارية مجرى الدلالة اليقينية على كذبهم في قولهم مجنون.
الصفة الثانية: قوله تعالى: ﴿وإنّ لك﴾ أي: على ما تحملت من أثقال النبوة وعلى صبرك عليهم فيما يرمونك به وهو تسلية له ﷺ ﴿لأجر﴾، أي: ثواباً ﴿غير ممنون﴾ أي: مقطوع ولا منقوص في دنيا ولا آخرة، يقال: مان الشيء إذا ضعف. ويقال: مننت الحبل إذا قطعته، وحبل منين إذا كان غير متين، قال لبيد:
*... عبساً كواسب لا يمنّ طعامها*
(١٣/٧١)


الصفحة التالية
Icon