فإن قيل: كيف يكون مصدّقاً للتوراة والإحلال يدل على أنّ شرعه كان ناسخاً لشرع موسى؟ أجيب: بأنه لا تناقض كما لا يعود نسخ القرآن بعضه ببعض عليه بالتناقض والتكاذب، فإن النسخ في الحقيقة بيان وتخصيص في الأزمان وإنما كرر ﴿وجئتكم بآية من ربكم﴾ للتأكيد وليبني عليه ﴿فاتقوا الله﴾ أي: في مخالفة أمره أي: جئتكم بآية بعد أخرى مما ذكرت لكم من خلق الطير والإبراء والإحياء والإنباء بالخفيات وبغيره من ولادتي من غير أب ومن كلامي في المهد وغير ذلك، فهي في الحقيقة آيات وإنما وحدها لأنها كلها جنس واحد في الدلالة على رسالته ﴿وأطيعون﴾ فيما أدعوكم إليه من توحيد الله وطاعته، ثم شرع في الدعوة وأشار إليها بالقول المجمل فقال:
﴿إنّ الله ربي وربكم﴾ لأنّ جميع الرسل كانوا على هذا القول لم يختلفوا فيه ﴿فاعبدوه﴾ أي: لازموا طاعته التي هي الإتيان بالأوامر والإنتهاء عن المناهي ﴿هذا﴾ الذي دعوتكم إليه ﴿صراط﴾ أي: طريق ﴿مستقيم﴾ أي: هو المشهود له بالإستقامة.
روى الإمام أحمد وغيره أنّ رجلاً قال: يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك، قال: «قل آمنت بالله ثم استقم». ولما قال لهم ذلك كذبوه ولم يؤمنوا به كما قال تعالى:
(٢/٢٢)