وحاصله: أنه استخراج ما في البواطن ليعلمه العباد في عالم الشهادة كما يعلم الخالق في عالم الغيب، أو أنه كناية عن الجزاء، وعرف الجنة لأنها كانت شهيرة عندهم وهي بستان عظيم كان دون صنعاء بفرسخين يقال له: الضروان يطؤه أهل الطريق، كان صاحبه ينادي الفقراء وقت الصرام ويترك لهم ما أخطأ المنجل أو ألقته الريح أو بعد عن البساط الذي يبسط تحت النخلة، وكان يجتمع لهم شيء كثير، فلما مات شح بنوه بذلك وقالوا: إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر، ونحن ذوو عيال، فحلفوا على أن يجذوها قبل الشمس حتى لا تأتي الفقراء إلا بعد فراغهم، وذلك معنى قوله تعالى: ﴿إذ﴾ أي: حين ﴿أقسموا﴾ ودل على تأكيد القسم بالتأكيد فقال: ﴿ليصرمنها﴾ عبر به عن الجذاذ لدلالته على القطع البائن المستأصل المانع للفقراء من الصريم الذي يعرض على فم الجدي لئلا يرضع، أو من الصرماء للمفازة التي لا ماء بها والناقة القليلة اللبن ﴿مصبحين﴾ داخلين في أول وقت الصباح لئلا تشعر بهم المساكين فلا يعطوهم منها ما كان أبوهم يتصدق به عليهم منها.
﴿ولا﴾ أي: والحال أنهم لا ﴿يستثنون﴾ في يمينهم، أي: ولا يقولون: إن شاء الله.
فإن قيل: لم سمي استثناء وإنما هو شرط؟ أجيب: بأنه سمي استثناء لأنه إخراج لشيء يكون حكمه غير المذكور أولاً، وكان الأصل فيه إلا أن يشاء الله فألحق به إن شاء الله لرجوعه إليه في اتحاد الحكم.
﴿فطاف﴾ أي: فتسبب عن فعلهم هذا أن طاف ﴿عليها﴾ أي: جنتهم ﴿طائف﴾ أي: عذاب مهلك محيط وهو نار أحرقتها ليلاً لم تدع منها شيئاً، والطائف غلب في الشر. وقال الفراء: هو الأمر الذي يأتي ليلاً ورد عليه بقوله: ﴿إذا مسهم طائف من الشيطان﴾ وذلك لا يختص بليل ولا نهار، وقوله تعالى: ﴿من ربك﴾ يجوز أن يتعلق بطاف وأن يتعلق بمحذوف صفة لطائف ﴿وهم﴾ أي: والحال أن أصحاب الجنة المقسمين ﴿نائمون﴾ وقت إرسال الطائف.
(١٣/٨٥)