لم يفلح بعده وجنّ، فكان لا ينطق لسانه إلا بهذه الآية، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ضلت عني حجتي، ومعناه: بطلت حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا، وذكر الضحاك أن الآية الأولى في أخي الأسود عبد الله بن عبد الأسد المخزومي.
ولما كان كأنه قيل: هذا ما قال فما يقال له؟ أجيب: بأنه يقال للزبانية على رؤوس الأشهاد ﴿خذوه﴾ أي: أيتها الزبانية الذين كان يستهزئ بهم عند سماع ذكرهم ﴿فغلوه﴾ أي: اجمعوا يديه إلى عنقه ورجليه إلى وراء قفاه إلى ناصيته.
(١٣/١٢٣)
﴿ثم الجحيم﴾ أي: النار العظمى التي تحجم على من يريد دفاعها ويحجم عنها من رآها، لأنها في غاية الحمو والتوقد والتغيظ والتشدد ﴿صلوه﴾ أي: بالغوا في تصليته إياها وكرروها بغمسة في النار كالشاة المصلية مرة بعد أخرى؛ لأنه كان يتعاظم على الناس فناسب أن يصلى أعظم النيران، وعبر أيضاً بأداة التراخي لعلو رتبة مدخولها فقال مؤذناً بعدم الخلاص، وتقديم المفعول يفيد الاختصاص عند بعضهم ولذلك قال الزمخشري: ثم لا يصلوه إلا الجحيم. قال أبو حيان: وليس ما قاله مذهباً لسيبويه ولا لحذاق النجاة، اه.
لكن كلام النحاة لا يأبى ما قاله.
﴿ثم في سلسلة﴾ أي: عظيمة جداً، وقوله تعالى: ﴿ذرعها سبعون ذراعاً﴾ يحتمل أن يكون هذا العدد حقيقة وعلى هذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: سبعون ذراعاً بذراع الملك، فتدخل في دبره وتخرج من منخره، وقيل: تدخل من فيه وتخرج من دبره. وقال نوف البكالي: سبعون ذراعاً كل ذراع سبعون باعاً كل باع أبعد مما بينك وبين مكة وكان في رحبة الكوفة. وقال سفيان: كل ذراع سبعون ذراعاً. وقال الحسن رضي الله عنه: الله أعلم أيّ ذراع هو، ويحتمل أن يكون مبالغة كما قال تعالى: ﴿إن تستغفر لهم سبعين مرة﴾ (التوبة: ٨٠)
يريد مرات كثيرة؛ لأنها إذا طالت كان الإرهاق أشد.
(١٣/١٢٤)


الصفحة التالية
Icon