ولم يوجد التكذيب من الأطفال. وقال ابن عربي: دعا نوح عليه السلام على الكافرين أجمعين، ودعا النبيّ ﷺ على من تحزب على المؤمنين وكفى بهذا أصلاً في الدعاء على الكافرين في الجملة، وأمّا كافر معين لم تعلم خاتمته فلا يدعى عليه، لأنّ مآله عندنا مجهول، وربما كان عند الله معلوم الخاتمة بالسعادة وإنما خص النبيّ ﷺ عتبة وشيبة وأصحابه لعلمه بما لهم وما كشف الله له من الغطاء عن حالهم.
ولما كان الرسل عليهم السلام لا يقولون ولا يفعلون إلا ما كان فيه مصلحة الدين علل دعاءه بقوله: ﴿إنك﴾ أي: يا رب ﴿إن تذرهم﴾ أي: تتركهم على أيّ حالة كانت في إبقائهم سالمين على وجه الأرض ولو كانت حالة دنيئة ﴿يضلوا عبادك﴾ أي: الذين آمنوا بك وبي والذين يولدون على الفطرة السليمة ﴿ولا يلدوا﴾ أي: إن قدرت بقاءهم ﴿إلا فاجراً﴾ أي: مارقاً عن كل ما ينبغي الاعتصام به ﴿كفاراً﴾ أي: بليغ الستر لما يجب إظهاره من آيات الله.
(١٣/١٦٩)
فإن قيل: بم علم أنّ أولادهم يكفرون وكيف وصفهم بالكفر عند الولادة؟ أجيب: بأنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فعرف طباعهم وأحوالهم، وكان الرجل ينطلق بابنه إليه ويقول: احذر من هذا فإنه كذاب، وإنّ أبي حذرنيه، فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك، وقد أخبر الله تعالى: ﴿أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن﴾. ومعنى: ﴿ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً﴾: لم يلدوا إلا من سيفجر ويكفر فوصفهم بما يصيرون إليه كقوله ﷺ «من قتل قتيلاً فله سلبه».


الصفحة التالية
Icon