(١٣/١٧٤)
ثالثها: أنها كانت واحدة وأنه ﷺ رآهم وسمع كلامهم وهم آمنوا به ثم رجعوا إلى قومهم قالوا لهم على سبيل الحكاية ﴿إنا سمعنا قرآناً عجباً﴾ وكان كذا وكذا فأوحى الله تعالى إلى نبيه ﷺ ما قالوه لقومهم.
قال ابن عربي: ابن مسعود أعرف من ابن عباس لأنه شاهده وابن عباس سمعه وليس الخبر كالمعاينة. وقال القرطبي: إنّ الجنّ أتوا النبيّ ﷺ دفعتين إحداهما بمكة وهي التي ذكرها ابن مسعود، والثانية: بنخلة وهي التي ذكرها ابن عباس. وقال البيهقي: الذي حكاه ابن مسعود إنما هو في أوّل ما سمعت الجنّ قراءة النبيّ ﷺ وعلمت بحاله، وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم كما حكاه ابن عباس، ثم أتاه داعي الجنّ مرّة أخرى فذهب معه وقرأ عليهم القرآن كما حكاه ابن مسعود.
وقال القشيري: لما رجم إبليس بالشهب فرّق إبليس جنوده لعلم ذلك فأتى سبعة منهم بطن نخلة فاستمعوا قراءة النبي ﷺ فآمنوا، ثم أتوا قومهم فقالوا: ﴿إنا سمعنا قرآناً عجباً﴾ يعني ولم يرجعوا إلى إبليس لما علموه من كذبه وسفاهته، وجاؤوا إلى النبيّ ﷺ في سبعين من قومه فأسلموا فذلك قوله تعالى: ﴿وإذ صرفنا إليك نفراً﴾ (الأحقاف: ٢٩)
الآيات.
﴿فقالوا﴾ أي: فتسبب عن استماعهم أن قالوا ﴿إنا سمعنا﴾ أي: حين تعمدنا الإصغاء وألقينا إليه أفهامنا ﴿قرآنا﴾ أي: كلاماً هو في غاية الانتظام في نفسه والجمع لجميع ما يحتاج إليه، وقرأ ابن كثير بالنقل وقفاً ووصلاً وحمزة في الوقف دون الوصل والباقون بغير نقل وقفاً ووصلاً. ثم وصفوا القرآن بالمصدر مبالغة في أمره فقالوا: ﴿عجباً﴾ أي: بديعاً خارجاً عن عادة أمثاله من جميع الكتب الإلهية فضلاً عن جميع الناس في جلالة النظم وإعجاز التركيب.
(١٣/١٧٥)


الصفحة التالية
Icon