فرجع بها رسول الله ﷺ يرجف فؤاده» الحديث؟ أجيب: بأنّ الذي عليه العلماء أنّ أوّل ما نزل من القرآن على الإطلاق ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾ كما صرّح به في حديث عائشة. ومن قال: إنّ سورة المدثر أوّل ما نزل من القرآن فضعيف، وإنما كان نزولها بعد فترة الوحي كما صرّح به في رواية الزهريّ عن أبي سلمة عن جابر، ويدل عليه ما في الحديث وهو يحدّث عن فترة الوحي إلى أن قال: «وأنزل الله تعالى ﴿يا أيها المدثر﴾»، ويدل عليه قوله أيضاً: «فإذا الملك الذي جاءني بحراء».
وحاصله: أنّ أوّل ما نزل من القرآن على رسول الله ﷺ سورة ﴿اقرأ باسم ربك﴾ وأنّ أوّل ما نزل بعد فترة الوحي سورة المدثر، وبهذا يحصل الجمع بين الحديثين.
قوله: «فإذا هو قاعد على عرش بين السماء والأرض» يريد به السرير الذي يجلس عليه. وقوله: «يحدّث عن فترة الوحي» أي: عن احتباسه وعدم تتابعه وتواليه في النزول وقوله: «فَجُئِثْتُ منه» روي بجيم مضمومة ثم همزة مكسورة ثم ثاء مثلثة ساكنة ثم تاء الضمير، وروي بثاءين مثلثتين بعد الجيم ومعناها فرعبت منه وفزعت، وقوله: «حمي الوحي وتتابع» أي: كثر نزوله وازداد بعد فترته من قولهم: حميت الشمس والنار إذا ازداد حرّها. وقوله: «وصبوا عليّ ماءً بارداً» فيه أنه ينبغي لمن فزع أن يصبّ عليه الماء ليسكن فزعه.
وأصل المدّثر المتدثر وهو الذي يتدثر في ثيابه ليستدفئ بها، وأجمعوا على أنه رسول الله ﷺ وإنما سمي مدّثراً لوجوه:
أحدها: قوله ﷺ «دثروني».
وثانيها: أنه ﷺ كان نائماً متدثراً بثيابه فجاءه جبريل عليه السلام وأيقظه ﷺ وقال: ﴿يا أيها المدثر قم فأنذر﴾ أي: حذر الناس من العذاب إن لم يؤمنوا، والمعنى: قم من مضجعك واترك التدثر بالثياب، واشتغل بهذا المنصب الذي نصبك الله عز وجل له.
(١٣/٢٣١)