واعترضوا هذا بأنها إنما تزاد في وسط الكلام لا في أوّله. وأجيب: بأنّ القرآن في حكم سورة واحدة متصل بعضه ببعض يدل على ذلك أنه قد يجيء ذكر الشيء في سورة ويذكر جوابه في سورة أخرى كقوله تعالى: ﴿يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون﴾ (الحجر: ٦)
وجوابه في سورة أخرى ﴿ما أنت بنعمة ربك بمجنون﴾ (القلم: ٢)
وإذا كان كذلك كان أوّل هذه السورة جارياً مجرى الوسط، وردّ هذا بأنّ القرآن في حكم السورة الواحدة في عدم التناقض لا أن تقرن سورة بما بعدها، فذلك غير جائز.
الثالث: قال الزمخشري: إدخال لا النافية على فعل القسم مستفيض في كلامهم وأشعارهم، قال امرؤ القيس:

*لا وأبيك ابنة العامريّ لا يدّعي القوم أني أفر*
(١٣/٢٥٩)
وفائدتها: توكيد القسم، ثم قال الزمخشري بعد أن ذكر وجه الزيادة والاعتراض: والجواب كما تقدّم والوجه أن يقال: هي للنفي، والمعنى في ذلك: أنه لا يقسم بالشيء إلا إعظاماً له يدل عليه قوله تعالى: ﴿فلا أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم﴾ (الجمعة: ٧٥ ـ ٧٦)
فكأنه بإدخال حرف النفي يقول: إن إعظامي له بإقسامي به كلا إعظام، يعني أنه يستأهل فوق ذلك. قال بعضهم: قول الزمخشري: والوجه أن يقال إلى آخره تقرير لقوله: إدخال لا النافية فيه على فعل القسم مستفيض إلى آخره. وحاصل كلامه يرجع إلى أنها نافية وأنّ النفي متسلط على فعل القسم بالمعنى الذي شرحه، وليس فيه نفع لفظاً ولا معنى، وقرأ ابن كثير بخلاف عن البزي بغير ألف بعد اللام والهمزة مضمومة والباقون بالألف ويعبر عن قراءة ابن كثير بالقصر وعن قراءة الباقين بالمدّ.


الصفحة التالية
Icon