وقوله تعالى: ﴿ثم أولى لك فأولى﴾ تأكيد وقيل: هذه الكلمة تقولها العرب لمن قاربه المكروه، وأصلها من الولي وهو القرب. قال الله تعالى: ﴿قاتلوا الذين يلونكم﴾ (التوبة: ١٢٣)
وقال قتادة: ذكر لنا أنّ النبيّ ﷺ لما نزلت هذه الآية «أخذ بمجامع ثوب أبي جهل بالبطحاء، وقال له: ﴿أولى لك فأولى، ثم أولى لك فأولى﴾ فقال أبو جهل: أتوعدني يا محمد فوالله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئاً، وإني والله لأعز من مشى بين جبليها». فلما كان يوم بدر صرعه الله شر مصرع وقتله أسوأ قتلة، قال: وكان النبي ﷺ يقول: «لكل أمة فرعون، وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل».
﴿أيحسب﴾ أي: يجوّز لقلة عقله ﴿الإنسان﴾ أي: الذي هو عبد مربوب ضعيف عاجز محتاج بما يرى من نفسه وأبناء جنسه ﴿أن يترك﴾ أي: يكون تركه بالكلية ﴿سدى﴾ أي: هملاً لاغياً لا يكلف ولا يجازى ولا يعرض على الملك الأعظم الذي خلقه فيسأله عن شكره فيما أسدى إليه، فإنّ ذلك مناف للحكمة فإنها تقتضي الأمر بالمحاسن والنهي عن المساوئ والجزاء على كل منهما، وأكثر الظالمين والمظلومين يموتون من غير جزاء فاقتضت الحكمة أنه لا بدّ من البعث للجزاء.
﴿ألم يك﴾ أي: الإنسان ﴿نطفة﴾ أي: شيئاً يسيراً ﴿من منيَ﴾ أي: ماء من صلب الرجل وترائب المرأة ﴿يمنى﴾ أي: تصب في الرحم سبب الله تعالى للإنسان المعالجة في إخراجها بما ركب فيه من الشهوة، وجعل له من الزوج التي يسرها لقضاء وطره حتى إنّ وقت صبها في الرحم تصب منه بغير اختياره حتى كأنه لا فعل له فيها أصلاً.
(١٣/٢٧٤)