فالمعنى: أقد أتى على التقرير والتقريب جميعاً أي: أتى ﴿على الإنسان﴾ قبل زمان قريب ﴿حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً﴾ أي: كان شيئاً منسياً غير مذكور نطفة في الأصلاب اه. فقوله على التقرير يعني المفهوم من الاستفهام، وقوله: والتقريب يعني المفهوم من قد التي وقع موقعها هل، ومعنى قوله في الاستفهام خاصة أن هل لا تكون بمعنى قد إلا ومعها استفهام لفظاً كالبيت المتقدم أو تقديراً كالآية الكريمة، ولو قلت: هل جاء زيد بمعنى قد جاء من غير استفهام لم يجز. وغيره جعلها بمعنى قد من غير هذا القيد، وجرى عليه الجلال المحلي. واعترض على الزمخشري بأنه لم يذكر غير كونها بمعنى قد. وبقي قيد آخر وهو أن يقول في الجمل الفعلية لأنها متى دخلت على جملة اسمية استحال كونها بمعنى قد؛ لأن قد مختصة بالأفعال وأجيب عنه بأن هذا لا يحتاج إليه؛ لأنه تقرّر أن قد لا تباشر الأسماء.
واختلف في المراد من الإنسان، فقال قتادة وعكرمة والشعبيّ: هو آدم عليه السلام مرّت عليه أربعون سنة قبل أن تنفخ فيه الروح وهو ملقى بين مكة والطائف. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في رواية الضحاك أنه خلق من طين فأقام أربعين سنة ثم من حمأ مسنون أربعين سنة، ثم من صلصال أربعين سنة ثم خلقه بعد مائة وعشرين سنة ثم نفخ فيه الروح. وحكى الماوردي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّ الحين المذكور هنا هو الزمن الطويل الممتد الذي لا يعرف مقداره. وقال الحسن: خلق الله كل الأشياء ما يرى وما لا يرى من دوابّ البرّ والبحر في الأيام الست التي خلق الله تعالى فيها السموات والأرض وآخرها خلق آدم عليه السلام فهو قوله تعالى: ﴿لم يكن شيئاً مذكوراً﴾.
(١٣/٢٧٧)


الصفحة التالية
Icon