﴿نحن خلقناهم﴾ أي: بما لنا من العظمة لا غيرنا ﴿وشددنا﴾ أي: قوّينا ﴿أسرهم﴾ أي: توصيل عظامهم بعضها ببعض وتوثيق عظامهم بالأعصاب بعد أن كانوا نطفاً أمشاجاً في غاية الضعف. وأصل الأسر الربط والتوثيق، ومنه أسر الرجل إذا وثق بالقدّ وهو الإسار، وفرس مأسور الخلق ﴿وإذا شئنا﴾ أي: بما لنا من العظمة أن نبدّل ما نشاء من صفاتهم أو ذواتهم ﴿بدّلنا أمثالهم﴾ أي: جئنا بأمثالهم بدلاً منهم إمّا بأن نهلكهم ونأتي ببدلهم ممن يطيع، وإمّا بتغيير صفاتهم كما شوهد في بعض الأوقات من المسخ وغيره، وقوله تعالى: ﴿تبديلاً﴾ تأكيد. قال الجلال المحلي: ووقعت إذا موقع إن، نحو ﴿إن يشأ يذهبكم﴾ (النساء: ١٣٣)
لأنه تعالى لم يشأ ذلك وإذاً لما يقع. وفي ذلك رد لقول الزمخشري: وحقه أن يجيء بإن لا بإذا كقوله: ﴿وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم﴾ (محمد: ٣٨)
﴿إن يشأ يذهبكم﴾ (النساء: ١٣٣)
﴿إن هذه﴾ أي: السورة أو الآيات القريبة ﴿تذكرة﴾ أي: عظة للخلق فإنّ في تصفحها تنبيهات للغافلين، وفي تدبرها وتذكرها فوائد جمة للطالبين السالكين ممن ألقى سمعه وأحضر قلبه وكانت نفسه مقبلة على ما ألقى إليه سمعه ﴿فمن شاء﴾ أي: بأن اجتهد في وصوله إلى ربه ﴿اتخذ﴾ أي: أخذ بجهده في مجاهدة نفسه ومغالبة هواه ﴿إلى ربه﴾ أي: المحسن إليه الذي ينبغي له أن يحبه بجميع جوارحه وقلبه ويجتهد في القرب منه ﴿سبيلاً﴾ أي: طريقاً واضحاً سهلاً واسعاً بأفعال الطاعة التي أمر بها لأنا بينا الأمور غاية البيان وكشفنا اللبس وأزلنا جميع موانع الفهم، فلم يبق مانع من استطراق الطريق غير مشيئتنا.
(١٣/٣٠٦)


الصفحة التالية
Icon