ولما جعل النوم موتاً جعل اليقظة معاشاً فقال تعالى: ﴿وجعلنا﴾ أي: بما لنا من القدرة التامّة ﴿النهار﴾ أي: الذي آيته الشمس ﴿معاشاً﴾ أي: حياة تبعثون فيه عن نومكم، أو وقت معاش تتقلبون فيه في حوائجكم ومكاسبكم لتحصيل ما تعيشون به فمعاشاً على هذا اسم زمان.
﴿وبنينا﴾ بما لنا من الملك التامّ ﴿فوقكم سبعاً﴾ أي: سبع سماوات وقوله تعالى: ﴿شداداً﴾ جمع شديدة أي: قوية محكمة لا يؤثر فيها مرور الزمان لا فطور فيها ولا فروج. ونظيره قوله تعالى: ﴿وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً﴾ (الأنبياء: ٣٢)
﴿وجعلنا﴾ أي: بما لنا من العظمة مما لا يقدر عليه غيرنا ﴿سراجاً﴾ أي: منيراً متلألئاً ﴿وهاجاً﴾ أي: وقاداً وهي الشمس.
﴿وأنزلنا﴾ أي: بما لنا من كمال الأوصاف ﴿من المعصرات﴾ أي: السحاب إذا أعصرت أي: شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر، كقولك: أجز الزرع أي: حان أن يجز، وأعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض.
وعن الحسن وقتادة: هي السماوات، وتأويله أنّ الماء ينزل من السماء إلى السحاب فكأنّ السموات عصرن. وقيل: من الرياح التي حان لها أن تعصر السحاب. وقيل: الرياح ذوات الأعاصير، وإنما جعلت مبدأ للإنزال لأنها تنشىء السحاب وتدرّ أخلافه. ﴿ماء ثجاجاً﴾ أي: منصباً بكثرة يقال: ثجه وثج بنفسه. وفي الحديث: «أفضل الحج العج والثج» أي: رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدي، وكان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مثجاً يسيل غرباً، يعني: يثج الكلام ثجاً في خطبته.
﴿لنخرج﴾ أي: بعظمتنا التي ربطنا بها المسببات بالأسباب ﴿به﴾ أي: بذلك الماء ﴿حباً﴾ أي: نجماً ذا حب مما يتقوّت به كالحنطة والشعير والأرز ﴿ونباتاً﴾ أي: ما يعتلف به كالتبن والحشيش، كما قال تعالى: ﴿كلوا وارعوا أنعامكم﴾ (طه: ٥٤)
﴿والحب ذو العصف والريحان﴾ (الرحمن: ١٢)
﴿وجنات﴾ أي: بساتين تجمع أنواع الأشجار والنبات المقتات وغيره ﴿ألفافاً﴾ أي: ملتفة بالشجر جمع لفيف كشريف وأشراف.
(١٣/٣٢٥)