﴿جزاء من ربك﴾ أي: المحسن إليك بما أعطاك جزاهم بذلك جزاء. وقوله تعالى: ﴿عطاء﴾ بدل من جزاء وهو اسم مصدر وجعله الزمخشري منصوباً بجزاء نصب المفعول به، وردّه أبو حيان بأنه جعل جزاء مصدراً مؤكداً لمضمون الجملة التي هي ﴿إنّ للمتقين﴾ قال: والمصدر المؤكد لا يعمل لأنه لا ينحل لحرف مصدري والفعل ولا نعلم في ذلك خلافاً ﴿حساباً﴾ أي: كافياً وافياً يقال: أحسبت فلاناً أي: أعطيته ما يكفيه حتى قال حسبي. وقال ابن قتيبة أي: عطاء كثيراً، وقيل: جزاء بقدر أعمالهم.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ﴿رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن﴾ برفع رب والرحمن وابن عامر وعاصم بخفضهما والآخران بخفض الأول ورفع الثاني.
أما رفعهما فمن أوجه: أحدها: أن يكون رب خبر مبتدأ مضمر أي: هو رب والرحمن كذلك، أو مبتدأ خبره لا يملكون، ثانيها: أن يجعل رب مبتدأ والرحمن خبره، ولا يملكون خبراً ثانياً أو مستأنفاً، ثالثها: أن يكون ربّ مبتدأ والرحمن نعته، ولا يملكون خبر رب. رابعها: أن يكون رب مبتدأ والرحمن مبتدأ ثانٍ ولا يملكون خبره، والجملة خبر الأوّل، وحصل الربط بتكرير المبتدأ بمعناه وهو رأي الأخفش، ويجوز أن يكون لا يملكون حالاً وتكون لازمة.
(١٣/٣٣٣)
وأما جرّهما فعلى البيان والنعت أو يجعل رب السموات تابعاً للأوّل والرحمن تابعاً للثاني، وأما جرّ الأوّل فعلى التبعية للأوّل. ورفع الثاني، فعلى الابتداء والخبر الجملة الفعلية وهي لا يملكون أي: الخلق. ﴿منه﴾ أي: من الله تعالى ﴿خطاباً﴾ والضمير في لا يملكون لأهل السموات والأرض أي: ليس في أيديهم ما يخاطب به الله، ويأمر به في أمر الثواب والعقاب خطاب واحد يتصرفون فيه تصرّف الملاك، فيزيدون فيه أو ينقصون منه أولا يملكون أن يخاطبوا بشيء من نقص العذاب أو زيادة في الثواب إلا أن يهب لهم ذلك ويأذن لهم فيه.