﴿والأرض بعد ذلك﴾ أي: بعد المذكور كله ﴿دحاها﴾ أي: بسطها ومهدها للسكنى وبقية المنافع، وكانت مخلوقة قبل السماء من غير دحو فلا معارضة بينها وبين آية فصلت؛ لأنه خلق الأرض أولاً غير مدحوة ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض. قال ابن عباس رضي الله عنهما: خلق الله تعالى الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء فسوّاها سبع سموات ثم دحا الأرض بعد ذلك. وقيل: معناه والأرض مع ذلك دحاها كقوله تعالى: ﴿عتلّ بعد ذلك﴾ (القلم: ١٣)
أي: مع ذلك، ومنه قولهم: أنت أحمق، وأنت بعد هذا سيء الخلق.
وقيل: بعد بمعنى قبل كقوله تعالى: ﴿ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر﴾ (الأنبياء: ١٠٥)
أي: من قبل، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: خلق الله تعالى الكعبة ووضعها على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام، ثم دحيت الأرض من تحت البيت.
(١٣/٣٤٩)
﴿أخرج منها﴾ أي: الأرض ﴿ماءها﴾ أي: بتفجير عيونها، وإضافتها إليها دليل على أنه مودوع فيها ﴿ومرعاها﴾ أي: النبات الذي يرعى مما يأكله الناس والأنعام من العشب والشجر والثمر والحب حتى النار والملح، لأنّ النار من العيدان قال تعالى: ﴿أفرأيتم النار التي تورون﴾ (الواقعة: ٧١)
الآية، والملح من الماء، واستعير الرعي للإنسان كما استعير الرتع في قوله تعالى عن إخوة يوسف عليه السلام: ﴿يرتع ويلعب﴾ (يوسف: ١٢)
والمرعى في الأصل موضع الرعي.
تنبيه: أخرج حال بإضمار قد أي: مخرجاً، وإضمار قد هو قول الجمهور وخالف الكوفيون والأخفش.
﴿والجبال أرساها﴾ أي: أثبتها على وجه الأرض لتسكن، ونظيره قوله تعالى: ﴿والجبال أوتاداً﴾ (النبأ: ٧)
وقوله تعالى: ﴿متاعاً﴾ مفعول له لمقدّر، أي: فعل ذلك منفعة أو مصدر لعامل مقدّر أي: متعكم تمتيعاً.
﴿لكم﴾ وقوله تعالى: ﴿ولأنعامكم﴾ جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم، وذكر الأنعام لكثرة الانتفاع بها.


الصفحة التالية
Icon