ولما ذكر الفرار أتبعه سببه فقال تعالى: ﴿لكل امرئ﴾ وإن كان أعظم الناس مروءة ﴿منهم يومئذ﴾ أي: إذ تكون هذه الدواهي العظام والشدائد والآلام.﴿شأن﴾ أي: أمر عظيم. وقوله تعالى: ﴿يغنيه﴾ حال، أي: يشغله عن شأن غيره. وعن سودة رضي الله تعالى عنها زوج النبيّ ﷺ قالت: قال رسول الله ﷺ «يبعث الناس حفاة عراة غرلاً ـ أي: بالقلفة ـ قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان» فقلت: يا رسول الله واسوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض؟ فقال ﷺ «قد شغل الناس ﴿لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه﴾». وقال قتيبة: يغنيه أي: يصرفه عن قرابته، ومنه يقال: أغن عني وجهك أي: اصرفه. وقال أهل المعاني: يغنيه أي: ذلك الهمّ الذي حصل له قد ملأ صدره، فلم يبق فيه متسع لهم آخر، فصار شبيهاً بالغنى في أنه ملك شيئاً كثيراً.
ولما ذكر تعالى حال القيامة في الهول بين أنّ المكلفين على قسمين: سعداء وأشقياء فوصف سبحانه السعيد بقوله تعالى: ﴿وجوه يومئذ﴾ أي: إذ كان ما تقدّم من الفرار وغيره ﴿مسفرة﴾ أي: مضيئة متهللة من أسفر الصبح إذا أضاء. وعن ابن عباس: من قيام الليل لما روي في الحديث «من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهارِ». وعن الضحاك من آثار الوضوء. وقيل: من طول ما اغبرّت في سبيل الله تعالى.
﴿ضاحكة﴾ أي: مسرورة فرحة. قال الكلبيّ: يعني بالفراغ من الحساب ﴿مستبشرة﴾ أي: بما آتاها الله تعالى من الكرامة.
ثم وصف الشقيّ بقوله تعالى: ﴿ووجوه يومئذ﴾ أي: إذ وجد ما ذكر. ﴿عليها غبرة﴾ أي: غبار.
﴿ترهقها﴾ أي: تعلوها ﴿قترة﴾ أي: سواد كالدخان ولا يرى أوحش من اجتماع الغبرة والسواد في الوجه كما يرى في وجوه الزنوج إذا اغبرّت.
﴿أولئك﴾ أي: البعداء البغضاء الذين يصنع بهم هذا ﴿هم﴾ أي: خاصة ﴿الكفرة الفجرة﴾ جمع الكافر والفاجر وهو الكاذب والمفتري على الله تعالى فجمع تعالى إلى سواد وجوههم الغبرة كما جمعوا الفجور إلى الكفر.
(١٣/٣٦٧)